يرجى الانتظار ...

تساؤلات وخواطر مُعادة

تساؤلات وخواطر مُعادة

تساؤلات وخواطر مُعادة لماذا يخلط أصدقاء النهضة، وقد كنت منهم، بين النهضة وبين الإنتقال الديمقراطي، ثم لماذا يخلطون بين الإنتقال الديمقراطي، وما تردى فيه، وبين الديمقراطية؟ عندما نقول انتقال ديمقراطي، بعد عشر سنوات من انطلاقه، فإننا نعني ما حصل بالذات في تونس باسم الانتقال الديمقراطي، منذ عشر سنوات. أي أننا نتحدث عن نوع معين من الممارسة، بزمانها ومكانها، وليس عن فكرة مطلقة. الانتقال الديمقراطي، كما نعيشه منذ عشر سنوات، هو أصدق مثال عن الفارق الكبير الذي يمكن أن ينتج بين الفكرة وبين الممارسة، أو التجربة. إذا كنا أصدقاء للنهضة، هل يعني ذلك أنها تمثل الديمقراطية، في ممارستها منذ عشر سنوات؟ وأن أي خطر عليها، هو خطر على الديمقراطية، ولو كان ذلك الخطر متأتيا من أخطائها، ومن ممارسة مستقرة لديها، مفكر فيها ومنظر لها؟ هذه مجرد شهادة زور، تجعل الأولوية للنهضة ليس على الديمقراطية فحسب، بل على البلاد أيضا، كلها. النهضة حزب، أي ذات معنوية. التعامل معها من منطلق غض النظر عن أخطاء التخطيط والممارسة لديها، لأن فيها أصدقاء لنا، هو مجرد شهادة زور تدفعها للاستمرار في الخطأ والغرق فيه أكثر فأكثر. سؤال آخر، لو أن النهضة خصصت ربع الجهد الذي خصصته لإسقاط حكومة الفخفاخ والتيار الديمقراطي، لمقاومة إصرار المنظومة القديمة على العودة وافتكاك المبادرة مجددا، هل كان بإمكان الأمر أن ينتج وضعا أفضل لها وللديمقراطية؟ حتما نعم. لكن النهضة منظومة هيمنة، مثل غيرها من منظومات الهيمنة، لا يهمها من الأمر سوى أن تحتكر وتسيطر. كتبت في هذا الموضوع نصوصا عديدة ومطولة: النهضة مصرة على وراثة المنظومة القديمة، والحكم. وهي لا تستطيع إنجاز ذلك دون عنصرين: إحتكار الحديث باسم الثورة (مع ما يعنيه ذلك من تدمير كل القوى الثورية حقيقة)، والتحالف مع عراب يدخلها منظومة الدولة ويرسخ وجودها فيه (الباجي والنداء في مرحلة ما بعد 2015). هذا أمر ينتج شيئين: إحتكار الثورة لمجرد بيعها من أجل دخول الدولة والإستقرار ليها، ثم التحكم فيها. للإشارة إلى "تناقضات" مواقفي، يشير البعض، في معرض التعريض، إلى صفتي كمستشار سابق للرئيس المرزوقي، وأن ذلك متناقض مع مواقفي الحالية. كلام جميل في ظاهره، ولكنه يجهل، أو يتجاهل، كثيرا من المعطيات والأحداث. هناك نصوص داخلية كتبتها آنذاك، سيأتي أوان نشرها للعموم، ولكنني لا أبخل على الناس بخلاصتها: حتى أكبر الثوريين يمكن أن يخطؤوا القراءة عندما يخطؤون الموقف. أنا لست من أكبر الثوريين ولا حتى من أصغرهم. أنا فقط شخص يرفض أن يكون جهده مجرد مطية لإعادة إنتاج نفس الأخطاء، وأن يكون ذلك الجهد مجرد مطية أيضا لعكس الإتجاه بين الممارسة والأهداف: لا أستطيع أن أساند في الخفاء ممارسات لأصدقائي أنكرها في نفس الوقت علنا عندما يأتيها خصومي. في كل الحالات هذا حديث طويل سيأتي وقت بيانه عندما يأتي. في تدوينة سابقة، تحدثت عن فشل الإنتقال الديمقراطي، وعن أن الحل يكمن في قلب الطاولة على جميع من يستفيد من الإدعاء بأن ما نعيشه حاليا، هو انتقال ديمقراطي حقيقي. قارن البعض بين موقفي وبين موقف الأستاذ محمد عبو. لا مشكل في ذلك. غير أنني أعتقد حقا أن قلب الطاولة، عندما يكون هدفك إعطاء الديمقراطية معناها الإجتماعي، لا يكون بالفصل ثمانين ولا تسعين، ولا يكون خاصة بقيس سعيد. تعلمت منذ مدة ألا أثق بقيس سعيد، رغم أنني ساندته كثيرا قبل سنة من الآن. الرجل بلا أفكار ولا رؤية، ولا يمكن أن أأتمنه على البلاد. ستكون كارثة حقيقية، بل أعمق وأخطر، لو قيض له أن يستأثر بالأمر كله. الفارق بيني وبين السيد محمد عبو أنني لم أيأس بعد من استعادة الثورة وهجها، وانتفاضة الناس وفرضهم مجددا أولوياتهم على أولويات الميتفيدين من منظومة انتقال ديمقراطي، ليس من الديمقراطية من شيء. هذا قانون تاريخي، سيأتي أوان ولادته عندما يأتي. قيس سعيد أضحى جزءا أساسيا من الأزمة، مثل سياسة النهضة تماما. ما يفعله، وإن بطريقة عكسية ظاهريا، ليس إلا تأبيد حالة الإحتيال على التونسيين، والجعجعة بلا مضمون. ما نعيشه اليوم ليس انتقالا ديمقراطيا، بل خدعة انتقال ديمقراطي. لقد تركت شخصيا، واختيارا، أن أتناول الشأن العام، منذ بضع سنوات، من منطلق فردي، بلا تنظيم ولا أهداف شخصية، وقد أشهدت على ذلك الناس في نصوص مكتوبة، وحوارات إذاعية وتلفزية وقع بثها ولا تزال متاحة. لن يراني الناس مترشحا لموقع ولا ممسكا بمسؤولية في أي مؤسسة من مؤسسات الدولة فيما بقي من عمري. هذا ثمن أرضى بدفعه، لسببين: أنني كنت جزءا من منظومة حزبية غير نزيهة، تخلط بين رغبة الأشخاص(الشخصية) وبين واجباتهم تجاه البلد، وأنني أتحمل نصيبي من المسؤولية عن نوع من الإحتيال على الناس. وثانيا لأنني أعتقد حقيقة، أن كل المنظومة الحزبية قد أضحت منظومة سلطة، وليس منظومة إصلاح. هذا أمر فصلته كثيرا، مع عناصر أخرى، في كتاب أعتبر أنه من نصوص النقد الذاتي القليلة الصادرة منذ عشر سنوات والذي صدر في جانفي 2021 (سنوات الرمل. تفكر في معارك الانتقال الديمقراطي). لكن أصدقاء النهضة، مثل النهضة تماما، إذا وجدوك ناقدا لهم وللنهضة، يرمونك في صف عبير. تقنية كلاسيكية معتادة لمنظومات التفكير الفاشية أحسن فهمها كمؤرخ. هذا لا يزعجني لأنني أعرف من أي منطلق ينطلق. كان بإمكاني، أكثر منهم، أن أواصل السلوك الذي يجلب لي الرضى والدعاية ويجنبني السخط والهجمات، ولكنني ما كنت لأنجح في ذلك ولو حاولت. أنا أترك لهم هذا الدور عن طيب خاطر انطلاقا من قناعتين: الأولى أنني لا أحسنه. والثانية أنني حتى ولو أحسنت، فلن أستطيع منافستهم فيه.
  • 14 يونيو 2021