الظاهرة التي تستحق عناية خاصة منذ سنوات في نظري
الظاهرة التي تستحق عناية خاصة منذ سنوات في نظري، أو فلنقل أنها أحد أهم الظواهر، هي هذا الجيل الشاب الذي يكافح من أجل قضايا يعتبرها أساسية ومركزية، مثل قضية الحوكمة الرشيدة، ومكافحة الفساد، والعدالة الإجتماعية، والحريات الأساسية، والحرص على المال العام.
من المؤسف أن معظم الطبقة الحزبية كانت طيلة السنوات الماضية تعتبر أن المستقبل هو للتطبيع مع المنظومة القديمة، ما أعطى لهذه للمنظومة أو لبقاياها فرصة جديدة للاستمرار، بل واعتبار أن الحل لا يمكن أن يكون إلا نتيجة توافق مع هذه المنظومة. لم يقض ذلك على تحركات الشباب المختلفة والمتنوعة، بل إنه زاد من صلابتها وتجربتها وزخمها. أعتقد اليوم أن أكبر نجاح لهذا الكفاح، هو أن ما استثمرت فيه عدة أحزاب (وخاصة موضوع الهوية، باعتباره موضوع انشطار عمودي وموضوع تعبئة) ، تراجع كثيرا اليوم لفائدة أولويات الحراك الشبابي، وأن المزاج الانتخابي قد أكد ذلك.
هذه أهم خطوط التناقض بين التحركات الشبابية وبين المنظومة الحزبية، وما نعيشه اليوم في نظري خارق على أكثر من مستوى: انتزاع فضاءات جديدة كل يوم للحريات، وجعل أي تراجع عنها مستحيلا، والسخرية المتصاعدة من أية تقسيمات عمودية تشطر الناس على أساس المعتقد.
هذا ممتاز وواعد. ما يحدث اليوم في كليات الطب، بمناسبة المظلمة التي تعرض لها الطالب وجيه، وتحول قضيته لقضية رأي عام، هي مؤشر جديد على ذلك. القضايا التي رفعتها أنا يقظ" والملفات التي أعدتها في مجهود طويل ومتواصل، هي نموذج ناجح لهذا الحراك الهادئ والمثمر. "مانيش مسامح" أيضا، كان لها فضل كبير على توعية الناس وإحراج "التوافق"، حرصا على العدالة وعلى المال العام. الثورة ليست فقط صراخا في الشوارع وإلقاء مقذوفات ... الثورة هي أيضا هذا التمشي البطيء والواثق والواضح والمتحمس للمستقبل.