يرجى الانتظار ...

الرسالة ورسائلها

الرسالة ورسائلها

الرسالة ورسائلها كيف يمكن توصيف ما حصل في موضوع "الرسالة المسمومة"؟ وما أهون الشرين؟ أن تكون القضية خطيرة مهددة للأمن القومي وللسلم الأهلي ولحسن سير دواليب الدولة (ولو في الحد الأدنى)؟ أم أن تكون القضية مفتعلة، وهمية، خيالية، وأن تضاف إلى كل تلك المخاطر مخاطر أخرى مثل العبث، وقلة المسؤولية، وانعدام العقل؟ أعتقد أننا أصبحنا، بعد بلاغ النيابة العمومية، في هذه الوضعية بالذات... أي في أسو الأسوأ. عندما سئلت عن رأيي في الموضوع ظهيرة اليوم، وعن طبيعة الأسئلة التي تحيرني فيما حصل، أو فيما نقل في موضوع "الرسالة المسمومة"، أجبت أنني أتساءل عن موقع الثغرة التي حصلت في منظومة العمل بالرئاسة. من خلال تجربة متواضعة في الرئاسة، أعلم أن طرق العمل في مجملها آمنة وأن هناك تقاليدا أثبتت باستمرار نجاعتها في الحد من عدد من الإختراقات الحقيقية أو المفترضة. يبدو أن ما كان علي التفكير فيه ليس موضوع الثغرة، وإنما شيئا أبسط من ذلك بكثير، وهو موضوع الجدية. أعتقد أن مشكلا أساسيا يكمن اليوم في الجدية، وأن الأمر يتحول إلى فضيحة حقيقية. هناك مشكلة في جدية التعامل مع الرأي العام أولا. إن الديمقراطية تعني في أحد ممارساتها الأساسية الشفافية. هذا يعني توفير المعلومة لوسائل الإعلام في الحد الأدنى، وأن لا تتسرب لهذه المعلومة أي نوايا غير نزيهة تؤثر على مضمونها وصدقيتها. هل حصل ذلك في طريقة تعامل الرئاسة مع موضوع "الرسالة المسمومة"؟ على الإطلاق. هذا الأمر يعني عدم إحترام للرأي العام، وتركه فريسة الإشاعات والمزايدات. تقنيا، ومنذ "اكتشاف" أمر الرسالة، هل تعاملت الإدارة المعنية بما يقتضيه الحال من جدية مع بقية مؤسسات الدولة، وبالبرود الكافي والقادر على الفصل بين التهيؤات والوقائع؟ إطلاقا أيضا. في مثل هذه الحالات، لا ينبغي لوم الرئيس في العادة. هذه أخطاء لا يتحمل مسؤوليتها بصورة مباشرة. لكن مسؤوليته تبدأ عندما تتضح أبعاد الموضوع بالنظر لتقارير مختلف الأطراف المتدخلة، الأمنية والقضائية. الخطأ ممكن، وكذلك سوء التقدير، لكن ما لا يمكن التسامح فيه هو أن يكون الخطأ مقصودا، وأن تكون وراءه نوايا تستعمل الرأي العام والوضع الدقيق الذي نمر به جميعا اليوم، وبطريقة غير نزيهة، للإيهام بجرائم غير موجودة. إن مسؤولية الرئيس تبدأ -في الحد الأدنى- اليوم ، وهو إنقاذ الرئاسة من الفوضى ومن سقوط الاعتبار. برئاسة فاقدة للاعتبار، مشكوك في صدقية بياناتها، عاجزة عن التواصل مع الرأي العام ومع الإعلاميين، لا يمكن لأحد إدعاء إنقاذ أي دور سياسي للمؤسسة. هنا نتحدث عن إنقاذ إعتبارية المؤسسة، أما خوض المعارك السياسية ضد "الخصوم" السياسيين الذين يستهدفون مواقف الرئيس، فلا أعتقد أن الأمر-بهذا الحال- مطروح أصلا. هناك معارك تقع خسارتها أو ربحها قبل خوضها. ما يزداد تأكدا منذ أيام هو أن "ساحة المعركة" لا تبعث على التفاؤل إطلاقا ...
  • 29 يناير 2021