يرجى الانتظار ...

الديمقراطية التي أكلت نفسها

الديمقراطية التي أكلت نفسها

الديمقراطية التي أكلت نفسها "هل لديك انطباع مثلي بأن الاحتجاجات الاجتماعية في الجهات هي رد فعل على سياسات لم تنجح في أن تكون أكثر عدلا بعد عشر سنوات مما يفترض أنه ثورة قامت من أجل العدل؟ هل لديك انطباع بأن جهات الهامش لم تقنعها كل مسائل الدستور والانتخابات والحريات لأن قضاياها الأكثر استعجالا وشرعية لم يقع فضها بعد، عشر سنوات بعد ثورتها على "المنظومة القديمة"؟ هل لديك انطباع بأن "الانتقال الديمقراطي" لم يستجب، في نظر تلك الجهات، سوى للثانوي جدا في قائمة انتظاراتها؟ هل لديك انطباع بأنه لم يتغير في العمق شيء بالنسبة لهم، وأن رفضهم لدولة اليوم ليس أقل حدة من رفضهم لتلك التي يفترض أنها انهزمت تحت ضربات الثورة و"الانتقال"؟ وبالنسبة لأوضاع "المؤسسات"، ألا ترى مثلي أنه لا يكفي أن تكون داخل مؤسسة ديمقراطية لكي تصبح ديمقراطيا؟ وأن انتخابك على أساس احترامك لدستور "حداثي" (رغم أنك أقسمت بالقرآن على احترامه !) ليس ضمانا لاحترامك ذلك الدستور ولا التزامك بقيمه؟ هل تتفق معي بأن كل البناء المؤسساتي الناجم عن الدستور قد استغرق في حل مشاكل الملاءمة والحدود والصلاحيات والشكليات القانونية، وأهمل ما عدا ذلك كله مما يهم الناس في حياتهم اليومية؟ في كثير من المسائل الأخرى نشترك نفس الانطباعات عما يجري منذ عشر سنوات، لكن الإشكال هو في الطريق الواجب إتباعه لوضع حد لكل ذلك: يمكن لهذه الانطباعات ذاتها أن تحملك لصفوف الديمقراطية الشعبوية، أو لصفوف اليمين المحافظ المتجاور والمتساكن مع الرؤى السلفية، كما يمكن أن يحملك مجددا إلى التشريع للاستبداد وإلغاء المؤسسات وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل العشر سنوات المنقضية وكأنها كانت خطيئة يتوجب الاغتسال كليا منها. أي إلى اليمين دائما. هذه كلها مسالك سهلة، وسبل مطروقة. ما يمكن أن يجعلنا نتفق في الانطباع لا يضمن أن قراءتنا لما يحصل واحدة، أن تحليلنا للمسار الذي رسخ هذا الانطباع متماثل، وأكثر من ذلك أن ما نعتقد أنها طريقة الخروج من المأزق متفق عليها. في كل الحالات، هذه السبل الثلاث تطرح مهمة رئيسية واحدة: الإطاحة بالديمقراطية في روحها وفي شكلها، ولكنها لا تعد بشيء يحل مشاكل الناس الراهنة. إنها تتفق ضمنيا بأنه لا يمكن انتظار حل من السياق الديمقراطي برمته، وأن الإطاحة بهذا السياق قد يساعد على حل تلك المشاكل. إن كل المشاريع الاستبدادية تنطلق من هذه المسلمة: الديمقراطية عائق أمام الإنجاز. أي إنجاز؟ لا أحد يدري ! لا أثق أبدا في قدرة أي من الاتجاهات الثلاث الموصوفة أعلاه لإنجاز شيء حتى لو تخلصت من العائق الذي تمثله الديمقراطية بالنسبة إليها، لأنه لا أحد منها كان قادرا طيلة العشر سنوات المنقضية على تقديم طرح يمكن أن يشكل برنامج إنقاذ أو إصلاح يجب على السؤال الحقيقي الذي لا يزال مطروحا بشدة: كيف تكون الدولة في خدمة الناس؟ بأي سياسة تحقق ذلك؟ ثم قبل ذلك كله: بأي دولة؟ أصلا ما هو فهمها جميعا لعبارة "ما ينتظره الناس" أو "خدمة الناس"؟ في الحالات الثلاث لا يتعلق الأمر سوى بوعود استبداد دون أي إمكانية للإنجاز. هذا هو الواقع اليوم: سيادة مشاريع الاستبداد في الساحة بالاستفادة من المزاج العام المحبط من الممارسة الديمقراطية كما تتم منذ عشر سنوات". مقتطف من كتابي، "سنوات الرمل"، جانفي 2021
  • 21 أغسطس 2021