أسئلة حول السيادة في ظل حكم الفرد
أسئلة حول السيادة في ظل حكم الفرد
تصاعد اللهجة الأوروبية ولهجة القوى الكبرى عموما تجاه الغموض السائد في تونس، وتكرر زيارة الوفود الأجنبية للرئيس، وعمليات الضغط التي تطلقها النهضة بالأساس من الخارج، وتصريحات بعض النواب والشخصيات السياسية في مناسبات برلمانية أجنبية، كل ذلك طرح الجدل حول موضوع السيادة، وفسح المجال للتخوين والتخوين المضاد. مشهد مكرر لأشياء عشناها وسنعيشها: تونس ليست جزيرة معزولة في محيط.
الكارثة الحقيقية اليوم هو طريقة تصرف الرئيس: لا يسمع، ولا يرى، ولكنه يتكلم. لا يتحاور إلا مع الأجانب، ويعتبر أي دعوة للحوار الداخلي نوعا من العودة للوراء، "ورضوخا للخونة" الذين يستحيل أن يتعامل معهم. "خارطة الطريق"؟ يقول لنا نحن ساخرا ابحثوا عنها في كتب الجغرافيا، ولكنه يعد زواره الأجانب بأنه سيعلنها قريبا. في نهاية الأمر، لماذا يلوم الرئيس خصومه على الإستنجاد بالخارج إذا كان هو نفسه يتفاوض مع الخارج، بل لا يتفاوض إلا مع الخارج.
سيأتي من يقول أن الرئيس هو الرئيس، وأن السياسة الخارجية احتكار له بالخاصة. هذا قياس قابل للنقاش: عندما لا تتحدث إلى شعبك إلا بطريقة عمودية ومنفعلة، وعندما تعتبر كل من يطالبون بالحوار خونة، وعندما تسخر من كل الآخرين الذين ليسوا من خصومك وتهزأ بهم ومطالبهم المنطقية، أنت تغلق كل الطرقات وتعطي لخصومك بالأساس المبررات الكافية للحديث هم أيضا، مع الأجانب.
سؤال آخر: هل يريد الرئيس أن نقبل بتوجهه لإلغاء الدستور دون أي نقاش؟ هذا لن يحصل بتاتا. لقد فُتح النقاش بعد، ولن يكون بإمكان الرئيس التحكم فيه مهما جمع بين يديه من سلطات. إن السخرية الحقيقية من ذكاء الناس هي في اعتبار توجهه لإلغاء الدستور مطلبا وطنيا وتعبيرا عن قرار اتخذه الشعب، وأنه ليس في النهاية إلا منفذا لهذا القرار. هنا يستنجد الرئيس بنوع من تمثل القائد الممانع الذي يواجه الضغوط الأجنبية لفرض مطلب شعبي. هذا مشهد كلاسيكي لن ينطلي على أحد.
إذا أراد الرئيس أن نكون جمبعا خلفه في هذه الغزوة السيادية المباركة، فيجب أن يكون ذلك مطلبنا أولا، وأن نتفق عليه معا ثانيا، ثم أن نناقش معا سبل تنفيذه. هذا غير متوفر ولا أحسبه سيتوفر مع السلوك الذي يتبعه الرئيس. طالما تعذر ذلك، فإن الأمر يتعلق برغبة فرد كل همّه منحصر في تجميع السلطات بين يديه، والحكم بلا حدود أو ضوابط، والإيحاء أن ذلك يتم بطلب من الشعب. هذه أكبر سخرية يمكن أن تحصل من الشعب.
ما يوحي به الرئيس من دورانه حول موضوع السيادة خطاب مخاتل. موضوع السيادة عندما يطرح في هذا السياق وبهذه الطريقة، ليس إلا احتيالا. كان في ظني أن رئيسا يدّعي معرفة بتجارب الشعوب يكون أكثر استعدادا للإعتبار، ولكن ليس هذا ما يحصل الآن.
ما يحصل اليوم بالضبط أن الرئيس دخل مغامرة لم يكن يملك أي تصور لمسارها، وأن تجميع السلطات بين يديه أمر يروقه كثيرا، وأن الإشارات المتواترة لإلغاء الدستور، والحديث في هذا الموضوع باسم الشعب، ليس إلا سيرا في طريق قديم سار فيه غيره كثيرون، وهو تعبيد الطريق لحكم فردي بتوجهات يمينية محافظة لا مكان فيها لأي إصلاح لا ثقافي ولا اجتماعي ولا إقتصادي: مشروع هيمنة جديد يفترض أن يكون رفض الناس له أمرا طبيعيا.