يرجى الانتظار ...

وعينا التاريخي قد لا يكون في المحصلة سوى تراكم وتفاعل دعايات متناقضة أو متكاملة

وعينا التاريخي قد لا يكون في المحصلة سوى تراكم وتفاعل دعايات متناقضة أو متكاملة

وعينا التاريخي قد لا يكون في المحصلة سوى تراكم وتفاعل دعايات متناقضة أو متكاملة. الدعاية، بمفهوم اابروباغندا، هي التي تجعل قسما منا يكرر إلى حد اليوم مضامين دعايات اشتغلت عليها أجهزةرسمية وشبه رسمية منذ عشرات السنين. السردية الوطنية التي يتبناها قسم هام من النخبة اليوم هي في قسم كبير منها نتاج دعاية الأجهزة الرسمية، بما فيها وسائل الإعلام، والكتاب المدرسي. السردية المضادة، التي لا تقل عن الرسمية تناقضات وإخفاقات، هي في جزء الأهم منها أيضا، نتاج دعايات. ما يجب فعله ببساطة هو اعتبار تلك الدعايات أفكارا غطت بها الأطراف المختلفة مواقفها ومصالحها، والتعامل معها فقط على هذا الأساس. تنقية التاريخ من البروبغندا هو مهمة شديدة الأهمية وشديدة الخطورة في الآن نفسه، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال التصدي لها دون منهج علمي ودون قدرة محترمة على التفكيك. في كل تناقض يضع قسما منا مع سردية تاريخية معينة، يكرر كل منا مضامين دعاية معينة: في العلاقة بين الحركة السياسية والمقاومة المسلحة مثلا، يميل قسم منا إلى اعتبار أن الحركة السياسية هي التي أنجزت كل شيء، في حين يميل شق آخر إلى القول بأن الاستقلال هو ثمرة المقاومة المسلحة وأن الحركة السياسية خانت المقاومة وأعادت تقديم البلاد للاستعمار. لا وقت لكلا الشقين للتأمل في حقيقة الموقف، أو لعله لا رغبة في ذلك مطلقا، ذلك أن المهم لكلا الشقين هو تحقيق مكاسب في اللحظة الراهنة. التاريخ هنا ليس إلا ذريعة تستدعى ثم يعاد نفيها. المختصون فقط يعرفون أن العلاقة بين الحركة المسلحة والمقاومة المسلحة لم تكن بمثل تلك الحِدِّية، وأن كثيرا من الإسقاطات التي تعود للصراع البورقيبي اليوسفي قد شوهت وعي الناس للفترة السابقة عن ذلك الصراع. موضوع آخر: معظم الهجمات ضد بورقيبة على سبيل المثال، والتي لا يزال البعض يكررها اليوم، قليل فقط يعرفون أنها مضامين نشأت في القاهرة، واشتغلت عليها أجهزة البروبغندا الرسمية للجمهورية العربية المتحدة، وأن الهدف الخفي منها كان محاولة ضم تونس للمحور المصري الجزائري في بداية الستينات. ليس معنى ذلك طبعا أن بورقيبة كان قديسا، أو أنه لم يقمع معارضيه، ولم يأمر باغتيال صالح بن يوسف، ولم يستعن قبل ذلك بالجيش الفرنسي للقضاء على خصومه اليوسفيين. لكن مضامين الدعاية كانت مستوردة، وكان الهدف منها إضعاف شرعية حكمه، وأن الموضوع لا علاقة له بقناعات أصيلة. حتى كلمة "بونقيبة" التي يستعملها البعض اليوم تحقيرا، مثل كثير من الجمل والعبارات التي لا زالت تُستعمل كما صيغت أول مرة، نشأت ونُحتت في مكاتب المخابرات المصرية. قليل فقط سيرون أن حضور عبد الناصر وبن بلة في احتفالات الجلاء، أشهرا قليلة فقط بعد اغتيال الزعيم صالح بن يوسف، دليلا على أن الموضوع لم يكن أبدا صراع أفكار، بل صراع محاور، وأن الدول كانت ولا تزال أكثر عقلانية في علاقاتها من حاملي الدعاية. هناك مشكل منهجي كبير لدى كثير منا: أننا نبدأ التعليق على حدث تاريخي بعبارة "لا، لست موافقا". هذه مشكلة كبيرة، لأن الحدث لا يهمه إن كنت موافقا أم لا. الطريقة الأخرى والأكثر نجاعة هي أن تفهم ماذا وقع، وماهي العوامل التي جعلت ذلك الحدث يقع آنذاك وليس قبله أو بعده، ومالذي حكم وقوعه بتلك الطريقة. التاريخ لا تهمه مشاعرك كثيرا. وعينا التاريخي قد لا يكون في المحصلة سوى تراكم وتفاعل دعايات متناقضة أو متكاملة. الدعاية، بمفهوم اابروباغندا، هي التي تجعل قسما منا يكرر إلى حد اليوم مضامين دعايات اشتغلت عليها أجهزةرسمية وشبه رسمية منذ عشرات السنين. السردية الوطنية التي يتبناها قسم هام من النخبة اليوم هي في قسم كبير منها نتاج دعاية الأجهزة الرسمية، بما فيها وسائل الإعلام، والكتاب المدرسي. السردية المضادة، التي لا تقل عن الرسمية تناقضات وإخفاقات، هي في جزء الأهم منها أيضا، نتاج دعايات. ما يجب فعله ببساطة هو اعتبار تلك الدعايات أفكارا غطت بها الأطراف المختلفة مواقفها ومصالحها، والتعامل معها فقط على هذا الأساس. تنقية التاريخ من البروبغندا هو مهمة شديدة الأهمية وشديدة الخطورة في الآن نفسه، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال التصدي لها دون منهج علمي ودون قدرة محترمة على التفكيك. في كل تناقض يضع قسما منا مع سردية تاريخية معينة، يكرر كل منا مضامين دعاية معينة: في العلاقة بين الحركة السياسية والمقاومة المسلحة مثلا، يميل قسم منا إلى اعتبار أن الحركة السياسية هي التي أنجزت كل شيء، في حين يميل شق آخر إلى القول بأن الاستقلال هو ثمرة المقاومة المسلحة وأن الحركة السياسية خانت المقاومة وأعادت تقديم البلاد للاستعمار. لا وقت لكلا الشقين للتأمل في حقيقة الموقف، أو لعله لا رغبة في ذلك مطلقا، ذلك أن المهم لكلا الشقين هو تحقيق مكاسب في اللحظة الراهنة. التاريخ هنا ليس إلا ذريعة تستدعى ثم يعاد نفيها. المختصون فقط يعرفون أن العلاقة بين الحركة المسلحة والمقاومة المسلحة لم تكن بمثل تلك الحِدِّية، وأن كثيرا من الإسقاطات التي تعود للصراع البورقيبي اليوسفي قد شوهت وعي الناس للفترة السابقة عن ذلك الصراع. موضوع آخر: معظم الهجمات ضد بورقيبة على سبيل المثال، والتي لا يزال البعض يكررها اليوم، قليل فقط يعرفون أنها مضامين نشأت في القاهرة، واشتغلت عليها أجهزة البروبغندا الرسمية للجمهورية العربية المتحدة، وأن الهدف الخفي منها كان محاولة ضم تونس للمحور المصري الجزائري في بداية الستينات. ليس معنى ذلك طبعا أن بورقيبة كان قديسا، أو أنه لم يقمع معارضيه، ولم يأمر باغتيال صالح بن يوسف، ولم يستعن قبل ذلك بالجيش الفرنسي للقضاء على خصومه اليوسفيين. لكن مضامين الدعاية كانت مستوردة، وكان الهدف منها إضعاف شرعية حكمه، وأن الموضوع لا علاقة له بقناعات أصيلة. حتى كلمة "بونقيبة" التي يستعملها البعض اليوم تحقيرا، مثل كثير من الجمل والعبارات التي لا زالت تُستعمل كما صيغت أول مرة، نشأت ونُحتت في مكاتب المخابرات المصرية. قليل فقط سيرون أن حضور عبد الناصر وبن بلة في احتفالات الجلاء، أشهرا قليلة فقط بعد اغتيال الزعيم صالح بن يوسف، دليلا على أن الموضوع لم يكن أبدا صراع أفكار، بل صراع محاور، وأن الدول كانت ولا تزال أكثر عقلانية في علاقاتها من حاملي الدعاية. هناك مشكل منهجي كبير لدى كثير منا: أننا نبدأ التعليق على حدث تاريخي بعبارة "لا، لست موافقا". هذه مشكلة كبيرة، لأن الحدث لا يهمه إن كنت موافقا أم لا. الطريقة الأخرى والأكثر نجاعة هي أن تفهم ماذا وقع، وماهي العوامل التي جعلت ذلك الحدث يقع آنذاك وليس قبله أو بعده، ومالذي حكم وقوعه بتلك الطريقة. التاريخ لا تهمه مشاعرك كثيرا.
  • 01 مايو 2020