يرجى الانتظار ...

إلياس

إلياس

إلياس: الخطيئة بعد أيام السكاكين الطويلة، كيف يمكن الآن توصيف المشهد بأوجز عبارة ممكنة؟ قطعا ليس ذلك بالمهمة السهلة. فلنقل أن قوسا صغيرا يتجه للغلق، قوسا واعدا استغرق تشييده سنوات من دروس الخيبة، أغلق بصفقة باب سريعة وقاسية. كل الباقي في نظري مجرد تفاصيل مكررة، أو قل أنني لا أريد النظر سوى من هذه الزاوية. كل ما يعتمل في الساحة اليوم، ومنذ سنوات، هو صراعات لا شأن لمعظم الناس بها، تتخذ لونا وشكلا جديدا في كل يوم، ولكنها لا تخرج عن التوصيف المضموني العام لها: صراعات التأثيرات والمواقع، والمال. كل التحالفات التي بنيت في العشرية الأخيرة أعطت الإنطباع على الأقل بأن ما فعل باستمرار لم يكن المطلوب، أو ما كان يحتاجه الناس. إنهيار متسارع للسياسة، وتهرئة متواصلة لفكرة الدولة. في توقيت القنوط ذاك، تمت الإنتخابات الأخيرة، بدروسها كلها، وكان يفترض أن تتم الأمور بعدها بطريقة مختلفة. ماذا حصل؟ ملحمة وطنية ضد الكورونا، أداء محترم إجمالا وترتيب معقول للأولويات، ثم كانت العاصفة. لأكرر مرة أخرى أنني مقتنع بتوصيف تضارب المصالح الذي وقع فيه رئيس الحكومة المستقيل، قناعة لا توازيها في الصلابة سوى قناعتي بأن خصومه الأساسيين قد أرادوا رأسه ورؤوس حلفائه بغض النظر عن تضارب المصالح نفسه: كان القرار موجودا منذ أشهر، منذ تكون الحكومة. هذا لا يحتاج أي إثبات. أليس مصادفة سعيدة أن من حكم بالفساد ومع الفساد، وتحت الفساد، استفاق اليوم على بشاعة الفساد؟ الصورة التي في ذهني الآن هو أن رئيس الحكومة المستقيل كان قائد جيش اختار في لحظة ما أن يعطي للخصم سلاحه، وخطط المعركة، وجردا في المعدات. كان عليه أن يعطي المثل، وقد عجز عن ذلك. كان عليه أن يتعفف، ولكنه استهتر. خطيئة إلياس هو أنه، وحكومته، أو جانبا هاما من حكومته، قد أيقظوا آمالا، واقتحموا أحيانا مخابئ الفساد، وبدؤوا في بعض الإنجاز، ثم استطاع هو في لحظة ما، أن يجعل كل شيء ينهار. سينسحب إلياس ليجتر خيبته، وسنبقى نحن الآخرين ندفع الثمن: ثمن أملنا في تغيير عميق لم يكن سوى سراب بِقيعة، ثمن خسارة ثقافة جديدة، ودولة جديدة، وأخلاق جديدة. هذه هي خطيئة إلياس، كل الباقي في نظري مجرد تفاصيل. الآن ستصبح مكافحة الفساد موضوعا للتندر، بل شبهة في حد ذاتها. الآن أيضا سيحكم الفاسدون بوجوه عارية، وبكل صفاقة الدنيا. سيعطوننا الدروس، ويعلموننا الأخلاق، ثم يدوسوننا بكل قسوة. ستصبح الصفقات السياسية الفاسدة هي أصل الأشياء مرة أخرى، وثقافة الشأن العام نكتة سخيفة. سيحق لهم أن يقولوا لنا مرة أخرى: لستم أفضل منا في شيء، فأسعِدونا بصمتكم ! هذه هي خطيئة إلياس: خيبة تتجاوز شخصه، وتتجاوز أخطاءه، وتضرب أملنا وسذاجتنا في مقتل. إنها مجزرة !
  • 16 يوليو 2020