أنصارَنا الطّيبين
أنصارَنا الطّيبين: تعالوْا نقتُل أصدقاءنا...
جزء هام من السياسة، وهو البروبغندا، يقوم على خلط المفاهيم. المشكل أن زيادة درجة البروبغندا، ومعه ذلك الخلط، لا يحمل إلا معنى واحدا: صعوبات حقيقية لا يمكن التغطية عليها، لدى الأنصار، سوى بمزيد الخلط، والكذب. الأنصار يحتاجون للشحن، وهذا بالذات هو دور البروبغندا.
في خضم الأزمة السياسية التي تشق البلاد منذ محاولة تشكيل حكومة الجملي، والتي زادت حدة منذ ذلك الوقت لتبلغ في الأيام الأخيرة مستوى عاليا، اتخذت بروبغندا بعض الأحزاب منعرجا خطابيا حاسما: كل من يعارضنا اليوم سواء: إنهم ثورة مضادة! نعم هكذا !
السخرية من ذكاء الأنصار سمة الأحزاب الفاشية، حيث لا يكون المناصر سوى مجرد عنصر تعبئة، تتقاذفه الدعاية يمينا وشمالا في اليوم ألف مرة، ودون إعلان مسبق عن الإتجاه الذي يقذف به فيه في كل مرة. بالنسبة للمتابعين، الأمر يتعلق بعملية استغفال يومي للوعي، حيث يتم استدعاء الشعارات الثورية بحسب المصلحة التكتيكية ضد الخصوم المحسوبين هم أيضا على الثورة. أما جبهة الثورة المضادة، فتُستدعى باستمرار للتفاوض والحوار. يجب أن تنتبه، وأنت تتابع تناقضات البروبغندا، أن التنازلات تتم باستمرار للمنظومة القديمة، وطيلة عقد من الزمن (لا حاجة للتفصيل)، أما "الأصدقاء القدامى" فإن السهام نحوهم لا تكِلُّ أبدا.
ألاحظ بكثير من الإستغراب استفاقة عدد من الأصدقاء في النهضة على موضوع مكافحة الفساد، وعلى قضية تضارب المصالح الخاصة برئيس الحكومة، وأتساءل بمناسبة مطالعتي كل منشور لهم في هذا الإتجاه إن كان ما يهمهم هو فعلا مكافحة الفساد وتضارب المصالح، أم أن ما يهمهم هو إقناعنا بعدالة معاركهم؟ ليسمحوا لي بأن أشير أولا بأنني مقتنع بتضارب المتصالح في موضوع رئيس الحكومة، مثل قناعتي بأن ما يهم أصدقائي أولئك ليس أبدا تضارب المصالح، ولا مكافحة الفساد! أعرف البعض منهم معرفة خاصة، وأعرف سكوتهم على فساد وتضارب مصالح حطم مقياس السيد ريختر عشرات المرات، ولم ينبسوا مع ذلك بكلمة واحدة.
لنعد لموضوع الخصوم والمنافسين، لمن تقدم الهدايا؟ ولمن توجه السهام؟ هناك مشكل أخلاقي حقيقي بالفعل يجب التعامل معه بجدية: وجد أصدقاؤنا في النهضة بكل يسر جَدا مشتركا يجمعهم بالمنظومة القديمة، ولم يستطيعوا إيجاد عنصر التقاء واحد مع أصدقائهم القدامى! هذه بصيرة عبقرية، وعمى عبقري ! لكن الأمر ليس في النهاية اعتباطيا: وهم يدخلون المعركة من أجل أن يصبحوا "حزب الدولة"، لم يكن أمام أصدقائنا سوى أن يبيعوا الثورة. وقد باعوها طولا وعرضا. يبقى الإشكال أن هناك ورثة شرعيين للثورة ينبغي إسكات أصواتهم، لأن عملية البيع تتطلب إما إمضاءهم، أو ببساطة، قتلهم. ما تقوم به البروبغندا هنا هو قتل الورثة، وتعويضهم بمنتحلي صفات. الأنصار ثوريون، ولكنهم أيضا "طيبون". هنا تأتي البروبغندا لتنجز بقية المهمة. وهم يقومون ببيع الثورة، والمساهمة بها في رأسمال الدولة، لا يرغب أصدقاؤنا في أن يبقى من الثورة شيء، ما عدا شعارات الدعاية. في علم الجريمة، أنت تحتاج إلى التأكد من قتل غريمك، إذا شرعت في قتله وعرِف هو أنك ستقتله ! الغريم هنا ليس العدو، وليس الخصم: إنه الصديق القديم، وهذا داعٍ إضافي ليحسنوا القِتلة !
هناك مشكل آخر يعود بتواتر ملح: اعتقاد أصدقائنا بأحقية احتكارهم للصفقات الإنتهازية. أود أن أشير أنني لا أعارض أبدا هذا الميل للاحتكار، وأن الصفقات الفاسدة تبقى صفقات فاسدة بغض النظر عمن يوقع عليها. كيف تبرر الدعاية إذا تلك الصفقات: بحكم الضرورة. وكيف تبرر إحتكار القيام بها؟ بمهاجمة كل من تعتقد أنه قد يمضي صفقات مشابهة، واتهامه بالإنتهازية، ومعاداة الثورة...
الأمر معقد حقيقة...ولكن الأنصار "طيبون" !