يرجى الانتظار ...

هيئة الانتخابات وقرار السيادة

هيئة الانتخابات وقرار السيادة

هيئة الانتخابات وقرار السيادة: هل هي قادرة؟ قضية شركات اللوبيينغ التي التجأ إليها القروي من أجل الحصول على دعم ترشحه، أو من أجل الضغط لإطلاق سراحه، أصبحت قضية رأي عام، في حين لا تزال الجهات الرسمية كلها ودون استثناء، تدس رأسها في الرمل وتناقش توفير الفرص المتكافئة للمرشحين. بعثة الاتحاد الأوروبي التي تقود الضغوطات على السلطات التونسية والتي تأمل أن تلوي يد القضاء التونسي، تقدم ببياناتها المتتالية رسائل خطيرة لرأي عام أصبح يوما بعد يوم أكثر توجسا من هكذا تدخلات. ردود فعل بعض "صناع الرأي" شديدة الامتعاض من انكشاف العملية، لا تزال تشكك في صدقية الوثائق وتتساءل عن "مصدر الإدعاءات"، في حين أن مجهودا بسيطا سيجعلها متأكدة، لو أرادت. كل المشكل أنها لا تريد. لماذا لا تريد، لأنها اشترت نبيل القروي بكل عيوبه، بل إنها لا تعتبرها عيوبا أصلا! هيئة الانتخابات تبين عجزها عن اتخاذ قرار بمثل أهمية اسقاط ترشح القروي بسبب الخرق الجسيم. هل يمكن أن نتوقع من الهيئة التي تتعرض لضغوط وتدخلات محلية وأجنبية من أجل توفير "تكافؤ فرص" بين المرشحين، وتقبل بهذه التدخلات والضغوط بصدر رحب، أن تأخذ الاتجاه المعاكس تماما وتقرر اسقاط ترشح القروي بسبب تجاوز سقف الانفاق؟ شخصيا لا أتوقع أن لديها هذه القدرة. يبقى أن الموضوع ليس موضوع تجاوز سقف الانفاق فقط: الموضوع أصبح تآمرا مع جهة أجنبية من أجل توجيه الناخبين واسقاط القضاء التونسي، وموضوع تخابر مع دولة معادية، وموضوع تآمر من أجل تزوير الانتخابات بطلب مساعدة تقنية ولوجستية من الروس للتدخل في قواعد البيانات والتأثير على الشبكات الاجتماعية بل وربما التجسس على المنافسين. هذا هو معنى الطلب من بوتين "تقديم مساعدة مادية"، أي شيئا شبيها بما حدث في الانتخابات الأمريكية والفرنسية. في دولة تحترم نفسها، يقع فتح التحقيق مباشرة في تهم بالخيانة العظمى، والتعامل مع دولة معادية، من أجل الاستيلاء على السلطة بطرق غير شرعية. في دولة تحترم نفسها تخرج هيئة الانتخابات وتصرح بالضغوط التي تتعرض إليها سواء من القائم بمهام الرئاسة أو من الدوائر الأجنبية، وتعلن رفضها لهذه التدخلات كونها هيئة دستورية منتخبة ومستقلة. ولكن لا أعتقد أنها قادرة على جزء من ذلك. الوضع في تونس مخترق جدا، والأموال الضخمة التي أنفقت في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية تبين جزءا بسيطا من هذا الاختراق. هم يشترون ببساطة الزعماء وأحزابهم، ويدفعون أموالا طائلة من أجل ضمان وصولهم لمواقع القرار. الاختراق الاستعلامي جزء آخر من هذا التدخل الأجنبي الواسع. كون جميع هذه التدخلات يستفيد منها القروي، يعني ببساطة أنها تستهدف قيس سعيد. هذا لا يتطلب ذكاء كبيرا. هكذا إذا تستكمل المنظومة مسار التعري الفاضح، وتقبل بكل الجرائم من أجل إيصال من بقي لديها من كل المرشحين الذين قدمتهم، إلى قرطاج. المعركة الانتخابية هذه المرة ليست فقط صراعا حول تصورات في موضوع التنمية أو النموذج الثقافي. الصراع هو بين تجربة تريد أن تتعافى من اختراق سيادتها، وبين وعود بوضع البلاد كليا على سكة التبعية الأبدية لصانعي القرار في بروكسل وتل أبيب.
  • 23 أكتوبر 2019