يرجى الانتظار ...

أرقام الأمل

أرقام الأمل

أرقام الأمل، وأرقام الإحباط... طالعت كغيري اليوم أرقام سبر الآراء حول مستوى الثقة، واللاثقة، في أهم الشخصيات الرسمية، وكذلك في الأحزاب، والتوجه العام لنفسية التونسيبن. مثل هذا النوع من عمليات سبر الآراء جيد، خاصة خارج السياق الإنتخابي، لأنه يسمح بالمقارنة مع الفترات السابقة أولا، ولأنه يفتح بابا لمحاولات فهم وضعنا اليوم ثانيا. ماهو وضعنا اليوم؟ نسبة ثقة عالية جدا في رئيس الجمهورية تضاعفت ما يقارب الخمس مرات منذ الربيع الفارط، أي في ظرف ستة أشهر. على فكرة، نسبة الثقة في رئيس الجمهورية أكثر بعشر نقاط من نسبة المقترعين لصالحه في الدور الثاني، وإن كان لكل رقم طريقة احتساب مختلفة. يعتقد معظم التونسيين أن وجود رئيس الجمهورية الحالي في قرطاج قادر لوحده على جعلهم متفائلين. بطبيعة الحال سيأتي آخرون للقول بأن التونسيبن لا يزالون غير واعين بطبيعة صلاحيات الرئيس في الدستور، أو أنهم لا زالوا يحنون للنظام الرئاسي. هذا في نظري سوء فهم، مثل كل سوء الفهم الذي مارسناه معا، وأوقع الجميع في سلسلة اللطخات التي أضحت معروفة. التونسيون حفظوا الدستور ويعرفون في الأغلب جيدا نظام توزيع الصلاحيات. تعلموا ذلك من مختلف الأزمات التي مررنا بها منذ دخل ذلك الدستور حيز العمل قبل خمس سنوات. خارج كل النصوص، يبحث التونسيون عن القدوة، عن محامين جيدين لأحلامهم، وهذه الأحلام تتلخص في الغالب في حاكم نزيه، صادق، نظيف اليد، مستقل عن الصراعات، ويفهم هواجسهم وما يريدون. التونسيون لم ييأسوا إذا من السياسة في المطلق، وإنما من السياسة بالطريقة التي مورست بها، إلى أجل قريب. في المقابل، انحدار مستوى الثقة في الشخصيات الرسمية والحزبية الأساسية في المشهد هو في نهاية الأمر الوجه العكسي لما سبق: عدم ثقة مركبة في أداء الشخصيات القديمة، في الهياكل التي صعدتهم للمسؤوليات (الأحزاب) وفي المؤسسات التي يمثلونها اليوم. عندما ندخل في التفاصيل، نجد أن التونسيين في الأغلب، لهم عدم ثقة في شخصيات أكثر من غيرها، وجدل الأسابيع الأخيرة حول تشكيل الحكومة وتحالفات انتخاب رئاسة المجلس، لم تفعل سوى أن عمقت هذا الشعور. لا ينبغي احتقار الشعور، لأن له علاقة كبرى بالمعنويات، ثم بالإرادة، ثم بالقدرة على تحشيد الناس من أجل تحقيق الأهداف، ثم لاحقا بالإنجاز. ما يظهر اليوم من خلال أرقام المعنويات، هو نوع من التعايش بين منظومتين: منظومة مأمولة، يمثلها رئيس الجمهورية، ومنظومة الأمر الواقع التي صعدها الدستور والانتخابات التشريعية، وهي التي تظهر اليوم في تركيبة رئاسة المجلس، وستظهر غدا في تشكيلة الحكومة. المنظومة المأمولة تحظى بلا شك بأفق انتظار أكبر، وبثقة أكبر. لتأتي منظومة الأمر الواقع محبطة وبائسة. الناس الآن يأملون أن تستطيع منظومة الأمل محاصرة منظومة الأمر الواقع، والتقليص من الآثار السلبية المحتملة لها على الواقع، وخصوصا على الأمل. نفس الناس، سيكونون قساة جدا ضد أي حكومة تنشأ عن منظومة الأمر الواقع، بغض النظر عمن سيكون فيها، لكنهم سيكونون أكثر ارتياحا وتفاؤلا، نسبيا جدا، كلما تحسنت تركيبتها، نحو نزاهة أكبر ونظافة أكبر. هل فهم مهندسو الحكومة القادمة هذه الحاجة؟ هل فهموا نفسية الناس؟ هل يطورون قدراتهم للالتحاق بأمل الناس؟ انطباعي أن لا ! حتى الفوارق البسيطة بين الشخصيات، فيما عدا رئيس الجمهورية، وبين الأحزاب، هي مجرد تفاصيل. المنظومة الحزبية والدستورية، أضحت منظومة مأزومة، وكل ما تنتجه في هذا السياق هو إنتاج مأزوم بالضرورة. الكارثة العظمى، هي أن يسقط كل ذلك الأمل في رئيس الجمهورية، لسبب أو لآخر، وخاصة إذا كان وراء ذلك السقوط تلك الأحزاب نفسها، وحتى الدستور وكل المنظومة القانونية. لم يكن التونسييون معافين بالأمل قدر هذه الأيام، ولكن أملا بلا إنجاز، هو مجرد وهم. دستوريا، من يطلب منه الإنجاز مأزوم، ولا يحظى بثقة كبيرة.... المرمّة في كل مكان.... حتى في ديكور متاع قهوة... أذواق.... نهاركم سعيد
  • 18 نوفمبر 2019