قضية نبيل القروي قضية سيادة أيضا
قضية نبيل القروي قضية سيادة أيضا:
بعيدا عن المسار القضائي لموضوع نبيل القروي، وعن الاتهامات بتبييض الأموال والتهرب الجبائي التي وجهت إليه، وبعيدا حتى عن الطريقة التي اعتمدها لتحضير حملته الانتخابية منذ ثلاث سنوات عبر العمل الخيري، أعتقد أن أخطر ما في موضوع القروي، في وجهة نظري، هو سياسي بحت.
عندما تنظر في حجم الأموال التي أنفقها على شركات اللوبيينغ (وآخرها ما كُشِف اليوم عن عقد مع شركة كندية بقيمة مليون دولار) ومحاولات التأثير الحثيثة على جهات أجنبية هامة وعديدة من أجل زيادة الضغوط على الحكومة وعلى السلطة القضائية في تونس، تفهم بوضوح طبيعة تصور الرجل لكثير من المواضيع ولطريقة عمل الدولة التي كان يأمل أن يترأسها. بالإضافة إلى نجاحه في التأثير على نواب في البرلمان الفرنسي وبعض أوساط في الحكومة الفرنسية، كان الرجل يأمل في الحصول على تصريحات مساندة له من ترامب وبوتين، وهو ما أعتقد أنه لن يحصل بعد افتضاح أمر عقد المليون دولار.
الموضوع ليس ماليا، وإن كانت الشكوك في أن طرفا دوليا عربيا قد تولى دفع المبالغ الضخمة لشركات اللوبيينغ الفرنسية والأمريكية. الموضوع سياسي بحت. رجل في عمق شبكات التأثير الدولية، وفي صلب التيارات الاستخباراتية، لا يمكن أن يحمل البلاد، لو قدر له أن يترأسها، سوى إلى هاوية سحيقة. كان يفترض، والحال ماهو عليه، أن توجه للرجل اتهامات أخطر بكثير من تلك التي وجهت إليه لحد الآن.
القروي في قرطاج يعني مجرد واجهة لسياسات دولية وإقليمية ستجعل البلاد مجرد حديقة خلفية للاستخبارات وشبكات التأثير التي ستعصف بما بقي من سيادة. يمكن هنا أن نفهم بشكل أوضح توتر بعض السفارات، وحرصها على اختراق القوانين والمؤسسات في تونس، وهي التي لا تنفك تُطْري، ظاهريا في المقابل، على الديمقراطية التونسية. أية ديمقراطية يريدون في النهاية؟ ديمقراطية السفارات والشبكات التي لا يبدو معها الوضع مهددا للولاءات والارتباطات القديمة.
نبيل القروي اليوم، ومنذ سنوات، في صلب سيستام التبعية، والولاء لقوى التأثير الأكثر عداء للسيادة التونسية، ولفكرة الانعتاق من تأثيرات الدوائر الأجنبية. دستوريا، الرجل سيكون معنيا على الأرجح، بتشكيل الحكومة التي ربما ترأستها شخصية من اختياره، ولكن مقياس اختيار هذه الشخصية، وأعضاء الحكومة الذين سيمثلون حزبه، سيتم على هذا الأساس: الاستعداد المستمر لتقديم الخدمات لأولياء النعمة الخارجيين.