يرجى الانتظار ...

هل المشكلة حقا في الدستور

هل المشكلة حقا في الدستور

هل المشكلة حقا في الدستور؟ تصريح زعيم النهضة بأن موقع الرئيس في النظام الحالي رمزي، وبأنه من الأجدى في المستقبل أن يصبح النظام برلمانيا بالكامل، بالإضافة إلى أنه تصريح يحتوي على نوع من التناقض (إعتراف ضمني بأن النظام الحالي غير برلماني) فإنه تصريح سياسي بالأساس. سياسية التصريح تكمن بدرجة أولى في النظر لموقع الرئيس في النظام السياسي في أفق أزمة سياسية راهنة بعض أبعادها دستورية. ما يهمني هنا هو الطريقة التي يسعى زعيم النهضة لاتباعها لفض الإشكال الناجم عن "تمرد" رئيس الجمهورية ليس على الدستور (هذا موضوع جدل بين المختصين) وإنما على توجهات التحالف الذي تقوده النهضة وزعيمها. لنرجع بالزمن قليلا إلى الوراء، إلى سياق الحوار الوطني وصياغة الدستور في مراحله النهائية واتفاق باريس. الصلاحيات الممنوحة للرئيس في الدستور هو نتيجة لكل ذلك السياق المركب، أي لنوع من الإكراهات والتوازنات، ولم يكن أبدا منة من حركة النهضة على الرئيس، مهما كان من يشعل خطة الرئاسة. ما يحصل اليوم بالتصريح المذكور أعلاه، هو دليل على أن طريقة التعامل تخضع لنفس المنطق، منطق التوازنات، حيث يعتقد زعيم النهضة أن الوقت الحالي ملائم لإعادة طرح تحوير الدستور بطريقة تنزع عن الرئيس ما بقي بيديه من سلطات. سياسيا، قد يسمح السياق السياسي الحالي، ومنذ بضعة أشهر، بتحقيق مكاسب للنهضة وحلفها، لكن الاعتقاد بأنه يسمح لها بتحوير الدستور هو من نوع الأماني الصعاب. الأمر ليس بهذه السهولة لمن يستطيع قراءة الدستور، بغض النظر عن درجة إختصاصه. هناك اعتقاد سائد بأن الدستور هو سبب كل المشاكل التي تمر بها البلاد اليوم. هذا ليس رأيي. الدستور الحالي يطرح إشكالات بالنسبة لمن يريد الهيمنة منفردا على المشهد السياسي. هو يطرح إشكالات على السياسيين الذين يرغبون في تحوير قواعد اللعبة كل مرة بالطريقة التي تسمح لهم باكتساح صلاحيات أكبر. في المطلق، لا أعتقد أن هذه مشكلة التونسيين. طرح مسألة الصلاحيات والدستور وكأن كل حياة التونسيين متعلقة بذلك هو تزييف واضح: مشكلة التونسيين تكمن في عدم طرح من يحكمون، بغض النظر عن موقعهم في هرمية ومخطط الحكم، أي أفكار تجعل من الدولة في خدمة المجتمع. إن مهمتهم الأساسية هي حكم المجتمع وليس التصرف الحكيم في أزماته. التصرف في أزمات المجتمع يعني أن يكون سير المجتمع هو أولوية الحاكمين، وأن يتبع ذلك وضع سياسة تكون ثمارها في خدمة الفئات الأوسع، والأفقر، والأقل قدرة على تبين مستقبلها. في سياق التصريح المذكور، تتضح طبيعة الأولويات بالنسبة لزعيم النهضة، ولكن يتضح أيضا قصر نظره. أنا من المتخوفين من أي تحوير يزيد في صلاحيات الرئيس بطريقة تجعل دوره يطغى على غيره من المؤسسات، ولكنني ضد أن يقع تقزيم دوره إلى درجة يصبح معها مجرد موظف تعريف بالإمضاء على قرارات الأغلبية البرلمانية. في سياق انتخابي وسياسي يكذب فيه المترشحون، أحزابا وفرادى، على الناخبين ويركزون جهدهم فقط على إيجاد الطريقة الأنجع للإحتيال عليه، فإن وجود رئيس للجمهورية غير مدين بشيء للأغلبيات هو عنصر توازن أساسي. في سياق سياسي تعودت فيه الأحزاب على التهرب من المسؤولية، وعلى الكذب البواح، وعلى بناء كل أنواع التحالفات الانتهازية وغير المفيدة للشعب، فإن ديكتاتورية الأغلبية ليست أقل سوء من أي ديكتاتورية أخرى. أمامنا اليوم نموذج عن الانتهازية السياسية التي تفضح أولوية الهيمنة كهدف أساسي لدى زعيم النهضة: إن أسبوعا كاملا من الاحتجاجات العنيفة على سوء الظروف المعيشية، والإعلانات المتواترة عن صعوبة إيجاد تمويل للميزانية، والكارثة الصحية التي تعصف بالبلاد، كل ذلك لم يقنع زعيم النهضة بإيجاد موضوع للتفكير فيه غير توسيع صلاحيات أغلبيته المحتالة. هذا تأكيد لأحد العوامل الأساسية التي تجعل اليوم من كل المنظومة السياسية الحالية، بدستورها وأحزابها، غير قادرة على فض مشكل كبير واحد يواجه الناس. هذا تأكيد آخر على أن من تظاهروا برفع شعارات إسقاط المنظومة يفهمون جيدا أن منظومة لا تنظر إليهم ولا تضعهم حتى في ذيل أولوياتها، هي منظومة بلا فائدة. فعلا، ما فائدة الأشياء التي بلا فائدة؟
  • 31 يناير 2021