تمديد الحالة الإستثنائية يقطع اليقين بالشكوك
تمديد الحالة الإستثنائية يقطع اليقين بالشكوك
بالرغم من أن تمديد الحالة الإستثنائية، ومعه تمديد تجميد البرلمان وكل الإجراءات الأخرى، كان متوقعا والأقرب إلى المنطق، إلا أن بيان الرئاسة الصادر في الهزيع الأخير من ليلة البارحة قد قطع الشك باليقين. بل أقول أنه ربما قطع اليقين بالمزيد من الشك.
لننظر للاأمر من زاوية ما يتطلبه الوضع، وإن كان بيان الرئاسة وتدخلاتها الأخيرة مستجيبة له: حتى الأكثر قناعة بالنظام الرئاسي كانوا ينتظرون الإعلان عن حكومة. في كل الحالات، وحتى لو وقع الإعلان عنها، فإن شرعيتها كانت لتكون دوما موضع تشكيك. مع ذلك فهي لازمة، وربما استطاعت لو واجهت الأزمة الإقتصادية والمالية باقتدار، أن تنحت لها شرعية ما. من يعتقد ان الأمور على أحسن حال، فليراجع نفسه جيدا: البلد مشلول تماما، ولا تنفع كل حيل البروبغندا الرئاسية لمسح هذه القناعة.
الحكومة التي تسربت قائمة في أعضائها البارحة، والتي بدت معقولة بالنظر لمتابعتنا لمؤشرات ما يريده الرئيس، سيتوجب عليها أن تنتظر أكثر. هذا أحد مؤشرات مأزق الرئيس: هو يريد رئيس حكومة موال له تماما يكون ظله في القصبة، مجرد منفذ لتعليمات إدارية، ولكنه يعلم في الوقت نفسه علم اليقين أن دون ذلك إشكالات: هناك وضعية مالية واقتصادية لم يغير ٢٥ جويلية من مأساويتها، تنتظر الحل. الولاء يطمئن الرئيس الشخص، ولكنه لا يطمئن الرئيس المسؤول. هذه أشياء لا يمكن القول أن قيس سعيد لا يضعها في اعتباره، مهما كان موقفنا منه ومن ٢٥ جويلية.
بيان الهزيع الأخير الذي جاء شديد الإقتضاب اعترف بانتظار الناس لإجراءات، من نوع "توضيح الطريق" (الرئيس لا يحب الخرائط) ولذلك وعد بانه سيتوجه للناس ببيان قريبا جدا. لماذا "قريبا جدا" وليس الآن؟ حتى أنصاره كانوا ينتظرون أن يتحدث للناس، ولكنه لم يفعل، وكان البيان في سطريه الأخيرين حرِجا مصعّدا في الحرج: هناك فهم للحاجة لذلك البيان، ولكن عدم قدرة عليه. لماذا: لأن الرئيس لا يعرف ما عليه أن يعلنه، اأو اأنه يعرف، ولكن التوقيت غير جيد له. هناك تخوف من ضغوط ما تجعله مجبرا على بعض التراجعات، وككل سياسي تقليدي، هو مجبر على التريث. بداأ قيس سعيد يتعلم الحساب: هذا ليس سيئا جدا في نهاية الأمر.
عندما كان الناس ينتظرون بلاغ الرئيس، ألقت الرئاسة إلى الناس بقصة إعتقال سليم الرياحي. من لازال يتذكر سليم الرياحي أصلا؟ ليس هذا المهم. ماهي الرسالة: الرئيس يتتبع الفاسدين، أو من يعتقد عموم الناس أنهم فاسدون، أرضا وبحرا وجوا. لا نجاة لأحد من سيف العادل البتّار. هذا ما أريدَ قوله بالضبط، ولكن ماذا يمكن أن يُفهَم؟ تغيير وجهة الإهتمام لبعض الوقت، لأن الرئيس يحتاج أيضا لبعض الوقت. هذا تطوّر لافت: الرئيس بدأ يفهم قيمة الوقت، وهذا ليس سيئا جدا في النهاية.
الرئيس، في بيان الهزيع الأخير تأكد من أن الناس ينتظرون، فمدد الحالة الإستثنائية، ولكن هل الناس كانوا ينتظرون فقط ذلك؟ أم أننا فوجئنا جميعا بالتمديد؟ لا قطعا. هنا بالذات، لا أعتقد أن الرئيس يقصد عدم احترام الناس والسخرية منهم. لا، على العكس تماما. هو فقط يحتاج لمزيد من الوقت لأن الأمور غير واضحة وإذا توضحت في ذهنه، فربما كان مترددا في إعلان السير فيها. هذه وضعية تواجه كل من لم يحبّ الخرائط يوما. هذه ليست في نهاية الأمر أم المآسي. من لم يحب الجغرافيا، ربما أحب التاريخ يوما. المشكل فقط في أن التاريخ أقل تسامحا من الجغرافيا.