Veuillez patienter ...

تسقط الإمتيازات

تسقط الإمتيازات

"تسقط الإمتيازات" هذا النص هو الأول ضمن ثلاثة نصوص حول لافتة مسيرة 27 فيفري التي نشرتها قيادة حركة النهضة رسميا في سياق دعوتها للتعبئة للمسيرة المذكورة. ظهرت في اللافتة التي اقتبس أصلها من مظاهرة للحركة الوطنية التونسية ثلاثة شعارات: تسقط الإمتيازات لا بد من برلمان تونسي لا بد من حكومة تونسية أما الشعار الذي أضيف في أسفل اللافتة، وبخط بارز فقد كان "امتداد للحركة الوطنية"، بما يحيل، في الحد الأدنى، على أن مظاهرة 27 فيفري هو امتداد للمظاهرة التي خلدتها الصورة الواردة في اللافتة (8أفريل 1938) ، أو أن حركة النهضة، في الحد الأقصى، هي امتداد للحركة الوطنية. يتناول كل نص من هذه النصوص شعارا واحدا من الشعارات الثلاثة ويحاول تبيين الفارق بين السياق التاريخي للشعار وبين الهدف التواصلي من اللافتة الدعائية للمسيرة المذكورة والذي يعتمد المغالطة السياسية، ولكنه يقوم بالأساس على تناقض موضوعي. "تسقط الإمتيازات" هذا الشعار هو في الأصل اقتباس، بل ترجمة حرفية، لأحد شعارات الثورة الفرنسية( A bas les privilèges )، وترسيخ لمبدأ استهداف نظام الإمتيازات التي قام عليها النظام الملكي في فرنسا قبل الثورة، بوصفه نظاما قائما على الإستغلال وانعدام العدل والمساواة. في سياق الحركة الوطنية التونسية، ترسخ هذا الشعار في وعي النخب الوطنية للتعبير عن الحقيقة الظالمة للمنظومة الإستعمارية بوصفها منظومة قائمة على التمييز بين المستوطنين وبين أبناء البلد، وبوصفها منظومة قائمة بالتالي على استغلال الاستعمار للتونسيين، عقاريا وجبائيا وفي نظام العمل والتوظيف والتمثيل في المؤسسات إلخ... من منطلق سياسي وتواصلي، فإن محاولة تشبيه مظاهرة 27 فيفري 2021 بمظاهرة 8 أفريل 1938 عملية شديدة المخاتلة. السؤال هنا هو: هل أن توجهات حركة النهضة، طيلة العشرية المنقضية، كانت توجهات مناهضة لمنطق الإمتيازات؟ لأنه، إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الأمر يتعلق بمجرد عملية احتيال ومغالطة. لنأخذ الأمر من خلال مثالين إثنين فقط: قانون المصالحة سيء الذكر، وموضوع المنظومة للإقتصادية المهيمنة اليوم والتي تقوم أساسا على الريع. إن مقاومة نظام الإمتيازات يقوم على مبدأ أساسي، وهو المساواة. في السياق الإقتصادي والإجتماعي، وبعملية تحيين تاريخي، فإن الأمر يتعلق بأن كل المواطنين متساوون أمام الفرص في النشاط الإقتصادي، وفي قطف ثمار هذا النشاط. إن قانون المصالحة الذي صوتت لصالحه حركة النهضة في 13 سبتمبر 2017، هو قانون مرسخ لمبدأ عدم المساواة أمام القانون، حيث سمح بإيقاف التتبعات ضد كثير من مسؤولي العهد السابق والذين تورطوا، على الأقل، في تسهيل نهب المال العام (بوصف المال العام نتاج جهد المواطنين وثمرة عرقهم). يخلق مثل هذا السلوك، آليا، نظام امتيازات مصغر ليس في نهاية الأمر سوى ترسيخ لمبدأ امتياز فئة من التونسيين على غيرهم إزاء القانون. خلق هذا القانون خلطا أكيدا في الأذهان: أن الثورة التي قامت من أجل العدل، طُعِنت في هذا المبدأ بالذات، وأن الإنتقال الديمقراطي، أي الديمقراطية في نهاية الأمر، لا يعني بالضرورة المساواة أمام القانون. كان ذلك في الحقيقة ترسيخا واضحا لمبدأ نظام الإمتيازات. المثال الثاني: هل قدمت النهضة طيلة العشر سنوات المنقضية (حيث كانت تمثل غالبا الكتلة الأولى في المجلس وحيث كانت داعمة أو مشاركة أو مترئسة لكل الحكومات) مبادرة تشريعية واحدة تقلص من هيمنة منظومة الريع وتحسن من فرص الفئات الضعيفة في المنافسة على ثمار النمو؟ لا، وبصفة مطلقة وباتة. لقد تحولت النهضة بسرعة قياسية من حركة "مستضعفين" كما ظهر ذلك بثبات في أدبياتها طيلة ثلاث عشريات على الأقل، إلى حركة متجاهلة لمستضعفي المنظومة الإقتصادية والإجتماعية، بل إلى حركة مساهمة موضوعيا في ترسيخ ذلك الإستضعاف. أكثر من ذلك، تقوم النهضة باستمرار بتجريم الإحتجاج الإجتماعي، وقدمت منذ خمس سنوات على الأقل، الغطاء السياسي لكل القمع الذي سلط على المحتجين ضد تدهور ظروفهم الإجتماعية بسبب غلاء المعيشة وبسبب إنعكاسات الجائحة، وهو ما وقع منذ أسابيع فقط عندما هددت بعض قياداتها بتعبئة أبناء الحركة في "احتواء" الإحتجاجات. إن النهضة اليوم، بوصفها حزبا يسعى لترسيخ علاقة التحالف والإعتراف المتبادل مع المنظومة الإقتصادية والإجتماعية المهيمنة اليوم، هي الطرف السياسي الأكثر سعيا وحرصا وعملا من أجل ترسيخ نظام الإمتيازات القائم على انعدام المساواة أمام القانون أولا، وعلى عدم تكافؤ فرص التونسيين إزاء الحياة. شعار تسقط الإمتيازات لا يمكن له من الناحية المضمونية إلا أن يكون شعارا موجها ضد كل مرسخي منظومة الإمتيازات، ضد مبدأ انعدام العدالة، وإفلات المذنبين من العقاب ونهب المال العام دون محاسبة، ضد انعدام المساواة أمام الفرص في حياة كريمة لكل المواطنين. هذا الشعار لا يمكن أن يكون مرفوعا إلا ضد كل الأحزاب المرسخة لمنظومة الإمتيازات، وأساسا حركة النهضة.
  • 03 février 2021