Veuillez patienter ...

الرجل الذي أسقط نفسه

الرجل الذي أسقط نفسه

الرجل الذي أسقط نفسه لا أحد يريد أن يكون اليوم مكان المشيشي، ولا مكان أحد من كبار حلفائه. لقد أوقع الرجل نفسه، بل لعل حلفاءه قد أوقعوه، في مطب لا مخرج منه سوى بالمغادرة. إن عدم أداء اليمين يعني عدم صدور أمر التسمية في الرائد الرسمي، وإن أداء المهام السيادية للوزراء لا يمكن أن يتم قبل التصريح بالمكاسب لدى هيئة مكافحة الفساد، وهذا ليس شرطا إجرائيا. بدوره، لا يمكن لهذا التصريح أن يتم، بالصفة الوزارية للمصرحين، سوى بصدور الأمر في الرائد الرسمي، وهو أمر رئاسي ضرورة. لقد أغلق الرجل الباب على نفسه وترك المفتاح في يد صديقه الذي أصبح غريمه، ودون أن يدري. نحن الآن في هذه الوضعية، وضعية بائسة لا مخرج منها سوى باستقالة رئيس الحكومة. هذا يوضح جملة من الأشياء التي يجب أن يقع القبول بها منذ اليوم كحقائق: - أن رئيس الجمهورية لا يلعب مجرد دور رمزي، وأن ما قام به قيس سعيد من إصراره على الموافقة القبلية على أي تحوير في الحكومة، سيجعل من الصعب جدا المرور إلى أي تحوير للدستور ينقص من صلاحياته. لقد أصبح رئيس الجمهورية بوضوح يلعب دور الموازنة الفعالة مع البرلمان ومع التحالف الحاكم. - أن على أي رئيس حكومة مستقبلا ألا تأخذه أي أغلبية برلمانية بالإثم، وأن درجة دنيا من الاتفاق مع رئيس الجمهورية أصبح شرطا واضحا لممارسة الحكم. هذا وضع توازن قادر نظريا على إحداث انسجام بين رأسي السلطة التنفيذية، لكنه ينتظر فقط أن يقتنع الفاعلون بأنه ليس توازنا نظريا فقط، بل توازنا قادرا على تحقيق تفاعل إيجابي بين المركزين. - أن "الفرار برئيس الحكومة" الذي قامت به أحزاب الائتلاف، قد أسفر عن أزمة دستورية وانغلاق لا سبيل للخروج منه سوى بالتخلي عن منطق الاحتيال الذي تمارسه الأغلبية البرلمانية الحالية. لقد أسقط المشيشي نفسه بجملة من الخطوات التي اعتقد أنها منسجمة وقانونية وقادرة على إطلاق يديه في الحكم، ولكن مؤدى تلك الخطوات قاده بالضبط إلى عكس النتيجة التي كان يريدها. إضافة لذلك، أصاب الرجل نصف حكومته بالشلل، بإقالة أحد عشر وزيرا لن يعود بإمكان أحد اليوم أن يطالبهم بإمضاء شيء. غير أن السقوط لم يكن سياسيا وإداريا ودستوريا فقط، بل أخلاقيا بالدرجة الأولى. لقد قبل الرجل بتشكيل الحكومة بناء على اتفاق مسبق مع الرئيس، لكنه غادر إجتماعه مع الرئيس مباشرة إلى بيوت خصومه، معتقدا في إمكانية أن يغير حلفاءه كما يغير ملابسه الداخلية، أو أن يحكم بالخديعة، وأن يكون الطريق أمام الخديعة مفتوحا. ما يتضح هو أن الورطة انتقلت اليوم، بغض النظر عن المشيشي الذي سقط فعليا حتى قبل استقالته، إلى خصوم الرئيس، وتحولت الأغلبية البرلمانية التي أصبتهم بالغرور إلى أغلبية مشلولة لا تستطيع حتى سحب الثقة من رئيس الحكومة لمنع عودة المبادرة للرئيس. نحن نتجه إلى حكومة جديدة، فيما يشبه ما تم قبل ذلك بمرتين، حكومة يبدو أن اختيار الرئيس للمكلف بتشكيلها يحكمه هدف وحيد: تقديمه لتشكيلة يرفضها البرلمان، الذي سيعتبر بذلك قد حل نفسه
  • 03 février 2021