أتابع ردود فعل الوسادة الحكومية على الاضطرابات التي تندلع كل ليلة في عديد الجهات منذ يوم الخميس عبر المحسوبين عليها من المحللين المذعورين ومن وسائل الإعلام التابعة لها
أتابع ردود فعل الوسادة الحكومية على الاضطرابات التي تندلع كل ليلة في عديد الجهات منذ يوم الخميس عبر المحسوبين عليها من المحللين المذعورين ومن وسائل الإعلام التابعة لها. هناك قناعة لديهم جميعا ما بأن هذه الاضطرابات موجهة ضدهم. هذا ليس خاطئا تماما في الواقع فهذه الاضطرابات هي في الحقيقة موجهة ضدهم: موجهة ضد إصرارهم على الإنكار، ضد تحقيرهم من القائمين بها، ضد عدم رغبتهم في رؤية شيء كبير وواضح للعيان: هؤلاء "المراهقون، المخربون، الناهبون، اللصوص" إلى غير ذلك من النعوت "لا مطالب لهم لأنهم لم يصرحوا بمطالبهم". هكذا نعم !
وفي حين يختفي رئيس الحكومة تحت وسادته، وتخرس الحكومة التي أصبحت تعول على رجال الأمن ليس فقط لمواجهة الاحتجاجات في الأحياء وإنما أيضا لتهدئة الأجواء في الإعلام، فإن من يجب أن يخاف هو خائف بالفعل. في لحظة ما يجب دفع الثمن: عندما تغرق البلاد في أزمة غير مسبوقة ولا يكون إهتمامك موجها سوى لتعيين الأقرباء والأصدقاء في مواقع الحكومة أو قريبا منها، فإن عليك في لحظة ما أن تدفع الثمن. عندما تقدم الوعود للجميع دون قدرة على تحقيق أي وعد منها، فإن عليك في لحظة ما أن تدفع الثمن. عندما تدفع بالبلاد كلها إلى أحضان المترفين، فإن عليك في لحظة ما أن تدفع الثمن. عندما تغمض عينيك على كل ما لا يروقك، فإن عليك في لحظة ما أن تدفع الثمن. عندما تتقدم لحكم بلاد باستغلال صدفة حمقاء، ودون أي قدرة على فهم مشكلة واحدة من مشاكلها، فإن عليك في لحظة ما أن تدفع الثمن.
الاحتجاجات غير بريئة" قالت الحكومة ووسادتها. طبعا، لأنه ليس هناك احتجاجات بريئة، خاصة عندما تكون سياسات الحكومة ووسادتها غير بريئة. ينبغي محاولة فهم ما يريده هؤلاء المراهقون، وإن لم نستطع، فإن علينا أن نفهم الذي لا يعجبهم. لا يعجبهم شيء حقيقة، لأنهم لا يجدون أنفسهم في شيء. كل ما يقع حولهم لا يهمهم لأنه لا يهتم بهم. ربما مضى إلى الأبد ذلك العهد الذي تكون فيه للتحركات الاحتجاجية وجوهها، ولافتاتها، وتقنياتها، وربطات أعناقها. لقد نجحنا معا في إقناع هؤلاء المراهقين أن الديمقراطية التي تقوم على فعل الحكومات وأحزابها ما تريد، وترك الاحتجاجات تقول ما تريد، هي ديمقراطية لا فائدة منها. لم تنعدم الثقة في الحكومة فحسب، بل في الديمقراطية نفسها كما نلمسها اليوم ومنذ عشر سنوات: ديمقراطية لا تطعم الناس الخبز ولا تفتح أمامهم مترا واحدا من الأفق، هي ديمقراطية تسويق وواجهة، لا فائدة منها.
لقد فشلنا جميعا في إعطاء الديمقراطية مضمونها الاجتماعي الأدنى. هؤلاء المراهقون الذين قضوا ثلثي مسيرتهم حتى الآن في "عهد الانتقال الديمقراطي"، تعلموا بما يكفي أنه لا ثقة ممكنة في دولة تركتهم جانبا منذ عشر سنوات، واهتمت فقط بمشاغلها ومربعاتها. بالنسبة للحكومة وأحزابها المذعورة، يجب عليها الآن أن تكف عن الاعتماد على هراوات البوليس وأن تحزم أمرها، فليست هناك حلول كثيرة أمامها في مواجهة جيل كامل استوعب القطيعة معها: هناك شيء متعفن في الثلاجة، ويجب إخراجه منها وإلقاؤه في مصب الفضلات: كل تلك الأنانية الطبقية، كل ذلك التعالي عن الناس، كل ذلك الإنكار، وكل ذلك الحمق. هذا الشيء المتعفن هو السياسات الليبرالية، والفساد، والمعاملات المشبوهة، وانغلاق أحزاب الوسادة عن أي مسعى للفهم.
أنا من الذين يعتقدون أن هذه الأحداث لن تتجاوز حدا معينا، وأن الأحزاب والحكومة لن تغير شيئا من سلوكها، ولكنني أيضا من الذين يعتقدون أن هؤلاء المراهقين سيصبحون راشدين بعد خمس سنوات على الأكثر، وأن غضبهم وحقدهم سيظل يتصاعد أكثر فأكثر، وأنهم سيطيحون بكل شيء في النهاية. هذه الاحتجاجات هي فرصة للتدارك والإصلاح، وهو ما لا يمكن أن يتم بالمواصلة في الإنكار. ولكنني أومن أن من نراهم اليوم مذعورين منها لن يصلحوا شيئا، وأن ذلك سيجعل نهايتهم بائسة جدا.