Veuillez patienter ...

25 جويلية: لماذا لم يدافع الحاكمون باسم الديمقراطية عن الديمقراطية؟

25 جويلية: لماذا لم يدافع الحاكمون باسم الديمقراطية عن الديمقراطية؟

25 جويلية: لماذا لم يدافع الحاكمون باسم الديمقراطية عن الديمقراطية؟ هناك موضوع محير آخر، يطرح عادة في قالب سؤال: هل الدفاع عن الديمقراطية يعني الدفاع عن النهضة أو عن أحزاب اخرى او عن البرلمان؟ بطريقة أخرى: بعض الأصدقاء ينكرون بإصرار أن دفاعم عن الديمقراطية التي "أسقطها" قيس بإعلان 25 جويلية، يعني الدفاع عن النهضة ويجب أن يؤخذ على أنه مبدئي بغض النظر عن الرابح والخاسر من العملية الإنتخابية، فالمهم لديهم ان يتم الأمر عبر الصندوق. هذا في رأيي جزء من الديمقراطية، وليس الديمقراطية. الديمقراطية إقتراع وتمثيل وتداول، ولكنها اكثر من ذلك تحرير للفضاء العام، وحرية تعبير وتنظم وتظاهر، ومساواة بين المواطنين، من أجل حسن تمثيل المواطنين وخدمتهم. تابعت بدقة مواقف بعض هؤلاء الأصدقاء طيلة السنة الأخيرة، وبدا لي أنهم كانوا باستمرار أوفياء لفكرتهم الرئيسية : الديمقراطية هي فقط الصندوق. تابعتهم في احتجاجات الشتاء الماضي. تابعتهم في عمليات القمع التي طالت عددا من الشباب، في عمليات الوفاة المسترابة داخل مراكز الإيقاف، وبدا لي أنهم كانوا يعتبرون باستمرار ان الديمقراطية لا تعني بالنسبة لهم إلا الصندوق، والإستقرار. لست مضطرا لذكر أمثلة أخرى، فالخلاصة كانت هي نفسها دائما. تجاه طبيعة التحالفات السياسية، رأيناهم يوسعون الصف الوطني ويضيقونه بحسب موقع النهضة: من اقترب وتحالف معها هو وطني، أو أنه يسير في طريق الوطنية. من ابتعد عنها، بغض النظر عن جدية الأسباب، هو مجرد "وظيفي" في خدمة الثورة المضادة. هكذا نعم.في موضوع رئاسة البرلمان، كان الأمر واضحا مرة أخرى: الفصل يتم بحسب ما تنتجه العملية التقنية التي تسمى تصويتا، بغض النظر عن طبيعة التحالفات اللاأخلاقية التي تتم في خلال ذلك. هذه اعتبرت باستمرار مسائل ثانوية لديهم. لا يتعلق الأمر فقط بفهم قاصر وتقني للديمقراطية، بل بإفراغها من طابع المنظومة الذي يفترض أن تتصف به، وخاصة بإفراغها من أي طابع أخلاقي. أعود لموضوع الإحتجاجات الشتوية الأخيرة، وما شهدته من قمع شديد من جانب حكومة مدعومة من إئتلاف تقوده النهضة: اعتبروا أن الأمر مجرد مؤامرة، وفي أفضل الحالات كان يلقى بالمسؤولية على "طلبة التجمع" الحاكمين في القصبة. هنا يقع تذكر الجانب السياسي الأخلاقي، ولكن ذلك كان يتم فقط لتبرئة النهضة من المسؤولية عن مساندة حكومة مارست ذلك القمع. الفساد أيضا، مجرد تفصيل، وخسائر جانبية، لأنهم قل أن ذكروا هذا الموضوع وناقشوه. هناك جانب أخلاقي صمبم في الديمقراطية، وهو ذلك الجانب الذي يعطي الشرعية الحقيقية لها كممارسة، بغض النظر عن أي تدابير تقنية من ترشح وتصويت واحتساب نتائج. هذا الجانب الأخلاقي هو بالأساس ذلك المتعلق بالغاية من الديمقراطية كنظام، وبطبيعة تركيبتها كمنظومة ذات غاية. إعتقادي أن هذا ما جعل الناس تيأس من ديمقراطية السنوات الأخيرة: تحولها إلى مجرد أداة للحكم، وليس للتدبير الإجتماعي. هل من الصدفة أن نجد أن تتالي المناسبات الإنتخابية، وترسخ الديمقراطية كممارسة تقنية دون أي مضمون أخلاقي، قد تزامنت مع استشراء الفساد بطريقة لا تقل (على الأقل) عما كان قبل عشر سنوات. أخلاقيا، هناك فشل يحب الإقرار به، بأن ما نجحت الديمقراطية في تحقيقه طيلة السنوات الأخيرة، هو أنها أصبحت تشبه أكثر فأكثر ديمقراطية ما قبل الديمقراطية: ديمقراطية تقنية بلا أي مضمون أخلاقي. ديمقراطية تتصاعد تطبيقاتها التقنية بشكل متناسب مع تصاعد ممارسة الفساد، وعودة الإستبداد عندما تظهر في الأفق رغبة في استعمال أدوات التعديل الديمقراطي الأخرى (التظاهر). أعتقد أن ما هو مطلوب من مراجعات اليوم يتجاوز النهضة إلى كل أولئك الذين حاولوا إقناعها وإقناعنا أنه طالما كان صندوق الإقتراع موجودا، فإن كل شيء على ما يرام، متناسين كل مراحل ما قبل الصندوق وبعده. لأن ما حصل طيلة السنوات الأخيرة، لا يمكن بهذا المعنى، أن يكون الديمقراطية التي انتظرها الناس. هذا ما يفسر أنه لم يكن هناك أحد للدفاع عنها بجدية منذ يوم 25 جويلية، وبخاصة في صفوف من مارس بواسطتها الحكم والتأثير. الأمر لا يتعلق فقط بمن مورست عليهم تلك الديمقراطية: حتى من مارسوها على صيغتها تلك كانوا يعرفون أنها فاسدة!
  • 29 juillet 2021