ما لم يَمُرَّ بالجملي
ما لم يَمُرَّ بالجملي، لن يَمُرَّ حتما بالفخفاخ
استمعت اليوم لحوار الغنوشي الصباحي، ثم استمعت لحوار التوزري أحد أعضاء فريق الفخفاخ، والواضح أننا أمام توجهين متناقضين لا يمكن أن يلتقيا. القضية ليست قضية قلب تونس، وليست قضية 109، وليست قضية نرجسيات. القضية أهم من كل ذلك.
في نهاية الأمر، مالذي تريده قيادة النهضة؟ تمرير نفس تصورها للأمور الذي حاول الجملي ترجمته في حكومته التي سقطت في جلسة منح الثقة، ولكن هذه المرة بالفخفاخ وبقيس سعيد. الورقة الأساسية في يدها هي ورقة حسابية، وهذا هو الإشكال: اعتقادها أن بإمكانها القيام بنفس المناورة الفاشلة في سياق آخر مختلف، خرجت فيه أوراق كثيرة، حسابيا أيضا، من بين يديها. سعي النهضة بهذه المناورات المكثفة وبهذا الضغط العالي للحصول على "حكومة وحدة وطنية" تكون مستندة إلى رئيس حكومة مستقل فعلا هذه المرة، ومكلف من قيس سعيد رأسا، يعني الحصول على تجديد التوافق البائس، مع ضمان أن يأكل آخرون الثوم عوضا عنها. بعد ذلك سيكون التفصي من مسؤولية الحكم وإلقاء تبعات أي فشل على الفخفاخ وسعيد أسهل من السابق. ليس أكذب من عبارة "حكومة وحدة وطنية"، مطلقوها يعرفون أنهم كاذبون عندما يطلقونها، ويدركون أنها مجرد غطاء للحكم بالملفات، وأنها توازنُ مصالح حزبية وشخصية لا يجني منه الناس إلا مزيدا من التطبيع مع الفساد واليأس من السياسة.
عندما تكرر قيادات النهضة أن تحيا تونس ليست أقل فسادا من قلب تونس، فإن الرسالة الأساسية هي إصرارها المستمر على ألا تتحالف إلا مع الفاسدين، وأنها لا تتحالف معهم فقط، بل تغطي على فسادهم، وتشترك فيه.
حكومة الفخفاخ كانت فرصة للنهضة كي تخرج من هذه الفرصة، ولكنها تخشى، كما تسر بعض قياداتها، من تحالف "الثوريين" ضدها إذا ما دخلت أيَّ حكومة معهم دون حليفها قلب تونس. هي تعتقد أن عليها ألا تقع تحت نوعين من التحالفات: تحالف الثوريين وتحالف الدستوريين (الدستوري الحر وقلب تونس)، ولا منقذ لها من هذا الوضع إلا شراكتها ووحدة مصيرها مع قلب تونس الذي تحمله على ظهرها كما تحمل الأم وليدها. هناك رفض كامل للسياق الجديد الذي أفرزته الانتخابات، وخاصة منها الرئاسية، وقرار بالبقاء فيما قبل هذا السياق. الغريب أن السياق الجديد بُنِيَ، من ضمن ما بني عليه، على حملة انتخابية نهضوية قامت على خطاب الندم على التوافق، والاعتذار عنه، والوعد بعدم الوقوع فيه مجددا. هذا جيد !
هذا هو المقصود، في توجه الثنائي قيس سعيد والفخفاخ، بأن الحكومة القادمة يجب أن تقطع مع التوافق ضد التونسيين، لتنتج توافقا مع التونسيين. لأن توافق النهضة السابق، وذلك الذي تعد له، ليس إلا توافقا ضد التونسيين، ومؤامرة على مستقبلهم، وجريمة ضد انتظاراتهم.
ليس من حل إلا تعرية هذا النفاق وفضح كل الأكاذيب حول مشروع "حكومة الوحدة الوطنية"، وتحميل عرّابيه مسؤولياتهم بوضوح ودون أي اعتبارات حسابية، بخطاب واضح وحاسم لرئيس الحكومة المكلف، ولرئيس الجمهورية. ليقدم الفخفاخ حكومته كما تستجيب للتوجهات التي كلِّف على أساسها، وليصوت أبناء التوافق ضدها، ولتسقط في جلسة منح الثقة، ولنتجه جميعا لسيناريوهات أخرى. هناك خطيئة واحدة لن تغفر للفخفاخ ولقيس سعيد: الرضوخ للسمسرة، والقبول مجددا بحكم "تحالف الملفات"!