في نفس السياق
خواطر من الكورونا
السكن في تجمعات كبيرة ليس قدرا. اكتظاظ الناس في مساحات ضيقة مقارنة بأعدادهم وبحاجياتهم هو مسار استغرق وقتا طويلا، وكان مجرد استجابة للتغييرات على بنية الإقتصاد، وحلا إجتماعيا لضرورات تكثيف السوق. أعتقد أن من الاستنتاجات الهامة لهذه الأزمة العالمية هو أن تدفعنا للتفكير مجددا فيما بدا منذ قرون عديدة، وزاد نسقه في القرن الأخير، وكأنه مسلمات غير قابلة للنقاش. العودة للاهتمام بالأرض، انتاج حاجياتنا الأساسية بأنفسنا، إعادة ضبط قائمة حاجياتنا الحقيقية، العودة لممارسات التضامن الأسري وإحياء إقتصاد الأسرة... إلخ. (قبل بضع عشرات من السنين، كان شراء الخبز من السوق ممارسة استثنائية وأحيانا "مخجلة" لدى أسر كثيرة). هذا الوباء هو أيضا فرصة لإعادة التفكير في الطريق الذي دفعت فيه البشرية نفسها.
في نفس السياق، ما نراه من عدم تضامن، ومن لهفة على الربح وممارسات احتكارية جشعة، ستزيد بزيادة منسوب الإحساس بالخطر. هذا نتاج التقاء عاملين: الرغبة في البقاء، وتسليع كل شيء. لا يتعلق الأمر مطلقا بانعدام الوعي. على العكس تماما، هذا التقاء الغريزة بالوعي السلعي، وعي السوق. لا يمكن محاكمة الناس على غريزة البقاء، ولكن يمكن لومهم على غريزة الربح. نعم، الربح أصبح غريزة. السوق أصبح الغريزة الجمعية الفعالة الوحيدة. عندما تنظر لما حققته الدول من نجاحات على طريق اقتسام الأسواق وتقسيم العمل، وما فشلت فيه على طريق حماية الانسانية من انبعاثات الغازات السامة مثلا، تفهم جيدا أن الدول ليست إلا كيانات لتنظيم الربح، وأن هناك نظاما عالميا للدول، في حين يفشل كل مجهود لبناء نظام للبشرية. لا يمكن بناء نظام للبشرية دون سيطرة غريزة البقاء مجددا، وإضعاف غريزة السوق. للأسف، عندما سيقع اختراع لقاح الكورونا، سيكون السوق قد استنزف لصالحه غريزة البقاء وسنبتعد أكثر فأكثر عن صياغة نظام للبشرية.