Veuillez patienter ...

أليس غريبا أن ما يمكن الاصطلاح عليه بالشعبوية الثقافية

أليس غريبا أن ما يمكن الاصطلاح عليه بالشعبوية الثقافية

أليس غريبا أن ما يمكن الاصطلاح عليه بالشعبوية الثقافية، والتي تتميز بالتشكيك في كل المنجز الثقافي والسياسي والمؤسساتي، بداعي أنه منجز مزيف، لا تنتج في نهاية الأمر سوى نوع من "الثقافة" المنبتة التي لا تستند على شيء سوى الرغبة في الهدم العشوائي، دون أي قدرة على البناء أو على الإقتراح؟ استسهال كل شيء، والحديث في كل المواضيع بثقة مطلقة، والتشكيك في كل منجز، دون قدرة على بناء نظرية تجمع بين هذه الأشياء، وتقديم رؤية للأسس التي يُنوَى بناء "المجتمع الجديد" على أساسها، ليس في نهاية الأمر إلا عبثا. كل الأمم تحتاج لتثمين ما بفضله عُدّت أمما، التاريخ المشترك، المحن المشتركة، الجغرافيا المشتركة، والمصير المشترك. لا شك أن منهج التدمير الأحمق لكل تلك المشتركات هو نوع من نسف المشروع الجمعي، ولكنه نسف بلا هدف. لا أحد يستطيع بناء شيء في الفراغ، إذا عزم فعلا أن يبني، ولاشي يمكن إنجازه فعلا من الضباب. ماهي الروابط بين النظرة التي تعتبر أن كل تاريخ البلد خيانات، وأن كل تعليمها زيف، وأن كل مؤسساتها تشتغل لدى السفارات، وأن الحقوق كلام فارغ، وبين ما يقوم به الإرهاب في مجموعاته النشيطة ؟ تكفير المجتمع بكل منجزاته، ولكن بمفردات أخرى لا تقل عنها خطورة وشدة، ليس في نهاية الأمر إلا مظهر من مظاهر تلك الشعبوية الثقافية. عندما تنظر في بيانات المجموعات الإرهابية التونسية منذ سنوات، وتنظر إلى انتاج رموز الثقافة الشعبوية في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الإجتماعي، فإنك تلاحظ التشابه الشديد في المعجم المستعمل، مع بعض الفوارق البسيطة التي تفرضها اعتبارات عملية بحتة. هذا أمر واضح لمن خصص ولو حيزا بسيطا من وقته للاهتمام بالموضوع. هناك نوع من الأصولية الحمقاء التي بدعوى العودة لما تسميه بالجذور، تعمد بكثير من الغباء لنسف كل الأسس التي تقف عليها، والتي بدعوى مقاومة الانبتات، تعود لما قبل الانبتات، أي للفراغ. في المقابل، هي لا تقدم شيئا صلبا يمكن مناقشتها فيه، ولا فكرة واضحة عما تريد صنعه. الأصوليات أنواع، ولكن يبدو أننا بلغنا الآن نوعا من أحمق الأصوليات وأغباها.
  • 30 avril 2020