من قانون المصالحة إلى مشروع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال
من قانون المصالحة إلى مشروع الصلح الجزائي مع رجال الأعمال: لا يزال نفس الناس في نفس المواقع !
بغض النظر عن مدى قدرة الرئيس على تطبيق مبدأ الصلح الجزائي مع رجال الأعمال، فإن أولئك الذين سكتوا على سن قانون المصالحة الإدارية هم آخر من يوجه الإنتقادات. يجب أن نتذكر سياق التصويت على ذلك القانون، وعملية المرور بقوة بين النهضة ونداء تونس، وتواطؤ رئيس المجلس محمد الناصر، والشعور القوي بالقهر الذي أصاب كل من قاوم ذلك القانون من شباب حملة "مانيش مسامح" وغيرهم. نعم كان قهرا بالقانون الذي وقع التصويت عليه "في كنف الديمقراطية" سمح لعدد كبير من مُهدري وآكلي المال العام من الإفلات من العقاب. فليبدأ منتقدو مشروع الصلح الجزائي بالإعتذار عن تبييضهم لعملية الإغتصاب التي تمت آنذاك تحت مرأى ومسمع الجميع أولا وقبل كل شيء، قبل أن ننصت لنقدهم.
لنأت الآن إلى فكرة الصلح الجزائي مع رجال الأعمال: هل الأمر قابل للتطبيق. هناك صعوبات كبيرة حتما وقد تكون النتائج أقل بكثير من المنتظر. هذا مرتبط بضمان ولاء الإدارة وأجهزة المراقبة والتنفيذ للمشروع ووضوح رؤية الرئيس وواقعيتها، ولا أعتقد حقيقة أن هذا متوفر للأسف.
لنعكس الصورة الآن: كيف سيكون المشهد لو أن البرلمان رفض قانون المصالحة، ورفض كل القوانين التي فُصّلت على قياس التحالف بين النهضة والمنظومة القديمة، ثم جاء قيس سعيد، وسن عن طريق أوامر رئاسية قوانين تقر بالمصالحة، وتسمح للمذنبين تجاه المال العام بالإفلات من المحاسبة والإحتفاظ بما احتطبوه؟ كيف ستكون ردود الفعل؟ رفضا كاملا. نفس الذين رفضوا قانون المصالحة كانوا، لنفس الأسباب، سيرفضون القرار (المفترض) لقيس سعيد. هذا أمر لا أشك فيه. لكن كل اولئك الذين برروا قانون المصالحة كانوا سيفرحون بالقرار المفترض جدلا، لقيس سعيد، بغض النظر عن الفصل ثمانين أو مائة وعشرين.
خلاصة الفكرة: في الحالة التي نعيشها اليوم، وكذلك في الحالة التي افترضناها الأمر هو التالي: ماكان للبرلمان أن يحصد كل هذا الكره، وكل هذا القرف، لو حفظ مصالح الناس واعتبر الدولة أمانة والتونسيين الذين انتخبوهم شعبا جديرا بالإحترام. ماكان لقيس سعيد أن يحصد هذا الحماس لمجرد إعلان نية الشروع في استرداد أموال الدولة من رجال الأعمال المَدينين لها لو لم يكن الناس يعتبرون ان الأمر بتعلق بإصلاح وضعية ظالمة.
هناك نفاق كبير لا تفهمه إلا بتعرية المصالح الكامنة تحته. عندما نقول مصالح فإننا لا نقصد أن الجميع مستفيد ماديا من القوانين التي تسمح للمذنبين بالإفلات من المحاسبة. إننا نعني بصورة أوضح أولئك الذين اعتقدوا أن الفساد تفصيل صغير، وأن تثبيت النهضة في فضاء الدولة وإمساكها بدواليبها، يستحق كل عناء التنكر لأبسط المبادئ الأخلاقية عند التشريع وأثناء بناء التحالفات التي تسمح بتحقيق ذلك الهدف. هم بطريقة أو بأخرى مسؤولون عن التغطية على ذلك الفساد التشريعي والسياسي. من الأفضل لهم اليوم أن يتوقفوا عن إعطاء الدروس في مثل هذه المواضيع، على الأقل !