الرئيس والهاجس الإيطالي
الرئيس والهاجس الإيطالي
تحذيرات الغنوشي بأن عدم استقرار الأوضاع في تونس قد يؤدي إلى موجات من المهاجرين غير الشرعيين نحو السواحل الإيطالية هي تحذيرات يبدو أن الرئيس قيس سعيد لم يحملها على محمل الجد سوى بعد أن فاتحه فيها الإيطاليون. الحقيقة ان الأسبوع الأخير والذي قبله، بالنظر لتركيز السلطات الأمنية على الوضع الداخلي وبسبب استقرار الحالة الجوية، قد شهدا بالفعل تكثف هذه الموجات بطريقة مثيرة للإنتباه.
كان بإمكان الرئيس دعوة المكلف بوزارة الداخلية للقصر، وإعطاءه نفس التوجيهات بتشديد المراقبة على السواحل، لكنه آثر التنقل إليه بنفسه وهو بذلك يضرب عصافير ثلاثة بنفس الحَصاة: التأكيد أن الوضع الأمني مستقر، وترسيخ سيطرة السيد غرسلاوي على مرؤوسيه، والإعلان من هناك على توجيهاته بمراقبة السواحل، وهو التزام علني لأصدقائنا الإيطاليين بأنه يولي الموضوع أهمية قصوى. بالإضافة طبعا لرسائل أخرى نحو أطراف سياسية محلية.
هذا مؤشر على أن عدم ارتياح الأوروبيين للغموض المسيطر على الوضع منذ يوم 25 جويلية، وعدم قدرتها على تبين ما يرغب فيه الرئيس، قد بدأ في التعبير عن نفسه. هذا جزء بسيط ولكنه معبر عن امتعاض الأوروبيين والأمريكيين، وستتضح الأمور أكثر غدا وبعد غد.
سيقول البعض ما دخل الأوروبيين بما يحصل في تونس، وكنت سأقول نفس الشيء لو كان لي نفس حماسهم. الجواب بسيط: أنت لست جزيرة في محيط! أنت أيضا مدين للجميع، وشريك أساسي للجميع. هذه ليست لعبة. هذه مسائل هامة.
بالنسبة للأوروبيين يبدو أن شيئا أساسيا قد توضح اليوم: أن الرئيس فعل ما فعل بلا أدنى خطة. هذا يتضح حتى للأكثر انتباها من التونسيبن. تمت الأمور بكامل البساطة وبكامل الإرتجال: كان الرئيس حتى وهو يستعد لقطف الثمرة، بلا خطة وبلا رؤية لليوم الموالي. إن ما يبدو من سيطرة على الوضع ليس كافيا لإشاعة الإطمئنان: عندما يترك لك الخصوم الميدان، فإنهم يدفعونك للتقدم فيه والغرق في أوحاله حتى تتسع عليك الجبهة لاحقا وتطول خطوط إمداداتك وتتغير كل إمكانات الميدان. هذا ما فعله الروس ضد بونابارت !
السيطرة على الوضع بقرارات 25 جويلية الأحادية ليس إلا وهما. هذا أيضا أمر يتأكد يوما بعد يوم، حيث لا يكفي أن تجبر خصومك على الصمت. يجب بصفة أساسية أن تنجح فيما فشلوا هم فيه. هذه مهمة بالغة الصعوبة بالنسبة لرجل يشتغل بلا فريق، ولا رؤية ولا حتى خطة لليوم الموالي. هذا الإرتجال حمّال كوارث ! هذا ما فهمه الإيطاليون اليوم على الأقل.