Please wait ...

الأغلبية التي أسقطت نفسها

الأغلبية التي أسقطت نفسها

الأغلبية التي أسقطت نفسها من الطبيعي ألا تقبل الأغلبية البرلمانية بالهزيمة، فضلا عن أن تقر بها. ستعيش بضع أسابيع من الإنكار، الوقت اللازم لهضم الهزيمة، للإقرار بأنها أعجز من أن تدفع بالبلاد بلا نهاية في اتجاه رغباتها وغرائز الهيمنة لديها. إن إفشال الرئيس للأغلبية البرلمانية سيتكرر، بغض النظر عن المبررات، كلما رفضت هذه الأغلبية الإقرار بأن العدد لوحده غير كاف لشيء. ذلك أن الصراع سياسي، وبرغم أهمية الاعتبارات القانونية والدستورية، فإنه يبقى للنهاية صراعا سياسيا. سيتوجب على الأغلبية أن تتعلم التواضع مجددا، وأن لا تعيد الحديث عن عزل الرئيس إذا كانت غير قادرة، بسياسييها وخبرائها، حتى على تقديم رأي قانوني سليم لرئيس الحكومة، وبعد أن دفعت به إلى أقصى درك في نفق ضيق ومظلم دخله بقدميه. إن أفضل ما تستطيع الأغلبية الحالية القيام به اليوم هو تحضير النصوص القانونية التي ستخاض على أساسها الانتخابات البرلمانية القادمة، وبصفة خاصة القانون الانتخابي وموضوع العتبة. ولكن حتى هنا، سيتوجب عليها الانتباه كثيرا، والاستفادة من درس التواضع الذي ألقي عليها اليوم، وأن لا يكون القانون الانتخابي الجديد تعبيرا عن الغلبة بالعدد، لأن الرئيس سيكتفي برده للبرلمان، وسيكون البرلمان مجددا قد أثبت شيئا واحدا: أن التواضع فضيلة يجب أن تمارس، وليس أن تكرر في المنابر فقط. هذا يعيد كثيرا من الأمور إلى نصابها: بإمكان رئيس جمهورية غير منتم للأغلبية البرلمانية وغير متناغم معها أن يقدم ضمانة استقرار وعدم تغول للأحزاب على الشعب. إن شرعية الانتخاب المباشر للرئيس تجد غايتها في هذا المستوى بالضبط: رئيس ضامن للتوازن. بإمكان الجميع بعد تطورات الأيام الأخيرة أن يتصور سير الأمور بوجود رئيس خاضع للتحالف الحاكم. إن التغلب بالعدد الذي مارسه الائتلاف الحاكم، وتسميته ذلك بالديمقراطية، في مقابل تغطيته على كل الانتهاكات التي طالت الشروط الأخرى للديمقراطية مثل المسؤولية السياسية، وحرية التعبير والتظاهر، قد بين اليوم حدوده. هذا درس جيد للجميع، اليوم وغدا. لا تكون الديمقراطية ديمقراطية بإلغاء شرط واحد من شروطها. لكن الأساس الذي تقوم عليه الديمقراطية دائما وياستمرار وبغض النظر عن الظروف الوقتية التي تعيشها دولة ما في سياق ما، هو عدم التردد في العودة إلى الشعب، صاحب السيادة الفعلية، كلما تطلب الأمر ذلك. لكن ما يحصل منذ الانتخابات قد بين بوضوح أن الشر المطلق للأغلبية الحالية هي العودة مجددا لصاحب السيادة. هذا فيما يبدو هو الخط الأحمر الحقيقي في توجه الأغلبية البرلمانية الحاكمة الحالية. لا أعتقد أنه مازال هناك متسع من الوقت أمام هذه الأغلبية للهروب مجددا من الاستحقاق الانتخابي السابق لأوانه. إن الخوف من الديمقراطية هو الدليل الأوضح على أن من يحكم البلاد اليوم ويسيرها من البرلمان، ليس ديمقراطيا إلا عندما توافق الديمقراطية هواه وغرائز الهيمنة لديه.
  • 03 February 2021