Please wait ...

يسرف كثير من المحللين

يسرف كثير من المحللين

يسرف كثير من المحللين، والأمر أيضا صحيح أحيانا بالنسبة للمؤرخين، وحتى المختصين في العلاقات الدولية، في البحث عن فهم للأحداث، والعلاقات، والظواهر، فقط باتباع المنهج العقلاني، واعتبار أن كل الشخصيات التي يحللون أداءها، هي كائنات عقلانية فقط، تفعل كل ما تفعل بوعي كامل، وبفهم كامل لما تفعل. في الحقيقة، لا يملك المحللون المساكين غير ذلك، وإلا فإن تحاليلهم قد تكون مهددة بالسقوط. هناك في الحقيقة عوامل نفسية كثيرة تتدخل في السلوك السياسي للأفراد الناشطين على الساحة السياسية، وهذا لا يخص فترتنا الحالية فقط، بل إن الأمر قديم قدم الانسان وقدم السياسة. الأمثلة على ذلك ليست نادرة، ولكن المحللين سرعان ما ينسون، أو فلنقل أنهم يريدون أن تكون تحاليلهم ثابتة، لذلك يحتاجون لتحليل مواقف وسلوكات موضوعية، وعدم الخوض في اعتبارات لا يعرفونها بالعمق الكافي أولا، بالإضافة لإفلاتها من التقييم العقلاني. عايشت في تجربتي الكثير من هذه المواقف، وكانت تتم أمامي أشياء نابعة فقط عن المزاج النفسي للأشخاص، وكنت في الآن نفسه أقرأ تحاليل لنفس السلوكات التي كنت شاهدا عليها، وكنت أضحك: الأمر كان أبسط من ذلك بكثير، وربما لا يحتاج لوجع الرأس ذاك كله. لكن ماهو مزاجي ليس دائما متناقضا مع ماهو عقلاني، ففي المحصلة قد لا تكون النتيجة مختلفة كثيرا. كما أن المزاج ليس بالضرورة نتاجا لنزوة أو حماقة، فقد يكون نتاجا لتقييم، ولكنه يعبر عن نفسه بالشكل المزاجي فقط. الأنانية أيضا مزاج، حب القيادة مزاج، التعامل مع الخصوم ومع الأنصار يخضع كثيرا أيضا للمزاج. لكن المزاج ليس مجرد عبث نفسي، حيث أنه يتجانس مع مكونات أخرى، نفسية وموضوعية، ليعطي في المحصلة شخصية ما وأداء ما. ماهو دور المزاج، والاعتبارات النفسية الأخرى، في القرارات التي تتخذ، والصراعات التي تنشأ، والتحالفات التي تعقد؟ هذا مبحث يحتاج لكثير من الوقت والعزيمة والمختصين لكي ينجز. ما أردت قوله، هو أن ما يتم، ليس نتاجا فقط للاعتبارات العقلانية والموضوعية، وأن معظم الناس لا يعرفون ذلك، أو فلنقل أن قسما منهم يتوجسون من طبيعة ما يتم، ومن دور المزاجية فيه، ولكنهم قليلا ما يلمسون الدليل على ذلك. ربما كان ذلك غير سيء في المطلق، فالناس يحتاجون دائما أشياء صلبة يفهمون بها الأمور، والمحللون يستجيبون لهذه الحاجة. أصلا لا خيارات كثيرة أمام المحللين.
  • 06 May 2020