Please wait ...

أعتقد أن إحدى القيم الأساسية للإسلام كانت التجريد

أعتقد أن إحدى القيم الأساسية للإسلام كانت التجريد

" أعتقد أن إحدى القيم الأساسية للإسلام كانت التجريد: دفع الناس للإيمان بغض النظر عن التجسيد، إذ لا جسم للإيمان. المعركة الأزلية ضد الأوثان كان ذلك معناها، وكان نسيان الجموع لتلك القيمة المجردة في الإيمان هو الذي يدفع في كل مرة لإرسال رسول جديد لتذكير الجموع الناسية. لم يعد من الممكن إرسال رسول آخر اليوم، ولكن القدرة على التجريد لا تنفك تتهاوى، ليس في الأمور الدينية فحسب بل في أمور الدنيا كلها، ومنها السياسة. الجموع غير قادرة في معظمها على الانتماء للفكرة، وهي لا تنفك تتبع ساداتها ولو أظلوها. هناك عفن أصيل في "السياسة الديمقراطية" للجموع: أن انعدام القدرة على التجريد ينتج أصواتا تحتسب، فتصير حكومات ! هذه مرحلة تكاد تكون تقليدية، وهي تعبر عن نفسها بنوع من الطُّرُقية السياسية le maraboutisme politique . الجموع تنظر للزعيم، وتسقط عليه صفات النبوة، بل وتؤمن به أحيانا إيمانا لا أعتقد أنها تهب مثله لنبي لو قدر أن يبعث فيها اليوم. لا تهتم الجموع بمزايا الزعيم النبي، ولا تعترف بنقائص: هي مبرمجة فقط على الإيمان به، وتعامل الداعين للتجريد، والفصل بين الزعيم وبين الفكرة، مثلما تعامل قوم إبراهيم مع إبراهيم عليه السلام تماما. مايهم، هو أن تبقى الجموع موحدة وسائرة دون عقل، تؤمر فتطيع، وكأن ما تخافه هو نوع من السباع المتربصة بها، والتي لا يراها سوى الزعيم. المشكل لم يكن أبدا في الزعيم، مثلما أنه لم يكن أبدا في الأوثان التي عندما عاجلها إبراهيم بفأسه هوت باستسلام. المشكل يبقى تلك الجموع التي، وهي تغطس كليا في الوثنية، تعتبر أن ذلك هو الدرجة الدنيا التي يطلبه منها الإيمان. الإيمان جميل، ولكن الإيمان بماذا؟ بفكرة أم بوثن؟ المشكل هو أن "أكثر الناس إيمانا" (هكذا يعرفون أنفسهم على الأقل، إن لم يكن قولا، فادعاء) اليوم هم أكثرهم وثنية !
  • 10 May 2020